تعيش مناطق الجنوب اللبناني توترًا متصاعدًا رغم اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في أواخر نوفمبر 2024، إذ واصلت إسرائيل تنفيذ هجمات جوية واستهدافات مباشرة أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، ما يعكس هشاشة الهدنة وصعوبة تثبيت الاستقرار الميداني. صباح السبت، قصفت طائرة مسيرة إسرائيلية سيارة رباعية الدفع على الطريق الرابط بين عين عطا وشبعا قرب السفح الغربي لجبل الشيخ، ما أدى إلى اشتعالها ومصرع شقيقين داخلها. وفي الوقت نفسه، شهدت أجواء الناقورة تحليقًا منخفضًا لطائرات مسيرة إسرائيلية في إطار تصعيد مستمر يعمق المخاوف من توسع رقعة التوتر.

 

وزارة الصحة اللبنانية أعلنت أيضًا إصابة سبعة مدنيين جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة قرب مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، فيما ألقت طائرات مسيرة إسرائيلية قنابل صوتية على حفارة بين بلدتي عيترون وبليدا، في سلوك عسكري يرمي إلى دفع الجنوب نحو مزيد من الفوضى الأمنية.

 

رسائل تهديد إسرائيلية وضغوط أمريكية

 

يأتي هذا التصعيد بالتزامن مع تصريحات إسرائيلية تهدد بضرب بيروت في حال عدم نزع سلاح حزب الله، وذلك خلال انعقاد الحكومة اللبنانية لبحث خطة الجيش. ترافقت التهديدات مع إعلان واشنطن فرض عقوبات على شخصيات تتهمها بدعم وتمويل حزب الله، في خطوة تُقرأ ضمن مسار سياسي وأمني مشترك يهدف إلى إضعاف المقاومة اللبنانية والضغط على الدولة لتقديم تنازلات تتعلق بالسيادة والأمن القومي.

 

ردود لبنانية تتراوح بين التحذير والتمسك بالثبات

 

في الداخل اللبناني، تعددت ردود الفعل على الهجمات. الجهات الرسمية اكتفت بتصريحات تطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف الاعتداءات، بينما أظهر الجيش اللبناني موقفًا أكثر صلابة برفضه إخلاء مراكزه العسكرية في الجنوب، خصوصًا في كفردونين، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس ميشال عون بضرورة التصدي لأي توغل إسرائيلي بري. هذا الموقف العسكري يعكس رغبة في الحفاظ على القرار السيادي رغم التهديدات الإسرائيلية المتكررة.

 

آلاف الخروقات واتهامات دولية لإسرائيل

 

منذ بدء الهدنة، رصدت الأمم المتحدة ووسائل إعلام محلية آلاف الخروقات الإسرائيلية التي تسببت في سقوط مئات الضحايا المدنيين. قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان وصفت الاعتداءات بأنها "انتهاكات واضحة" لقرار مجلس الأمن 1701، مؤكدة أن استمرار الهجمات يهدد الأمن الإقليمي ويفتح الباب أمام موجات تصعيد جديدة.

 

ضربات إسرائيلية مركّزة واستهداف للبنى العسكرية

 

أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربات جوية واسعة ضد ما وصفه بمواقع تابعة لحزب الله في صور وبنت جبيل ومحيطهما، مستهدفًا مخازن أسلحة ومواقع دعم لوجستي. ورغم تحذيرات الاحتلال للسكان بضرورة الإخلاء، جاءت الإنذارات بالتزامن مع قصف أحياء مأهولة ما أدى إلى تفاقم القلق الشعبي والدولي.

 

اليونيفيل بدورها دعت جميع الأطراف إلى التزام ضبط النفس وعدم اتخاذ إجراءات من شأنها تصعيد التوتر، مشددة على ضرورة التمسك بقرار 1701 لمنع انزلاق الجنوب إلى مواجهة مفتوحة.

 

 واخيرا تدل المؤشرات الحالية على أن وقف إطلاق النار في جنوب لبنان لا يزال هشًا وقابلًا للانهيار في أي لحظة، وسط تصعيد عسكري إسرائيلي يوسع رقعة الاستهداف ضد المدنيين ويقوّض أي مسار نحو التهدئة. وفي الوقت الذي تواجه فيه الحكومة اللبنانية ضغوطًا سياسية وأمنية متزايدة من إسرائيل والولايات المتحدة، يبقى الجنوب ساحة صراع مفتوحة تُستخدم فيها الرسائل العسكرية كأدوات ضغط. غياب التزام فعلي بقرارات مجلس الأمن واستمرار الهجمات يجعل احتمال تجدد المواجهات على نطاق أوسع أمرًا واردًا بقوة، ما يتطلب تحركًا دبلوماسيًا أعمق للحد من التصعيد وحماية المدنيين واستعادة الاستقرار في واحدة من أكثر الجبهات حساسية في المنطقة