نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبيل منتصف ليل الجمعة السبت، عمليات نسف واسعة استهدفت منازل في مناطق شرقي مدينة غزة، في خطوة تعكس استمرار السياسة العسكرية القمعية رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في أكتوبر 2025. وتأتي هذه العمليات ضمن مسار طويل يسعى إلى إعادة تشكيل ملامح جغرافية بعض المناطق ودفع السكان نحو التهجير القسري، وهو ما يصفه الفلسطينيون بأنه امتداد لجرائم الإبادة الجماعية وانتهاك واضح لبنود الهدنة.
سياسة التهجير وتغيير الجغرافيا
شهود عيان أكدوا أن التفجيرات تركزت في مناطق عدة بين مدينة غزة وخان يونس، حيث تعرضت المباني السكنية للتدمير بشكل متواصل، ما أدى إلى موجات نزوح جديدة تزيد من تعقيد المشهد الإنساني. ويرى مراقبون أن الاحتلال يتبع استراتيجية مدروسة تهدف إلى تفكيك التجمعات السكانية وتغيير الخريطة الديمغرافية للقطاع، ضمن مخطط أشمل يستهدف إعادة صياغة المشهد السياسي والميداني في غزة.
وفي السياق ذاته، قالت وزارة الصحة إن حصيلة العدوان منذ أكتوبر 2023 تجاوزت 69 ألف شهيد وأكثر من 170 ألف جريح، في وقت لا تزال فرق الإنقاذ عاجزة عن الوصول إلى عدة مناطق تحت الركام بسبب شدة عمليات التفجير الأخيرة. كما أعلنت السلطات الصحية استلام جثامين 15 فلسطينيًا أعادها الجيش الإسرائيلي في إطار التفاهمات المتعلقة بملف الجثامين.
التزامات اتفاق الأسرى
على صعيد ملف الأسرى، واصلت حركة حماس التزامها ببنود الاتفاق، حيث أعلن جيش الاحتلال تسلمه جثة الأسير ليؤور رودايف بعد فحص شرعي وإبلاغ عائلته. كما أكدت كتائب القسام وسرايا القدس تسليم رفات أحد الأسرى في خان يونس، ليصل عدد الجثامين المسلّمة إلى 22 من أصل 28، فيما ينتظر تسليم ما تبقى منها قبل بدء المرحلة الثانية من الاتفاق.
إدارة المساعدات الإنسانية
وفي تحول لافت، انتقلت مسؤولية الإشراف على دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة من وحدة التنسيق الإسرائيلية إلى مركز تنسيق مدني عسكري تقوده الولايات المتحدة، في محاولة دولية لتقليص الدور الإسرائيلي في تحديد حجم ونوعية المساعدات. غير أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن الكميات التي دخلت، والتي تقدر بنحو 37 ألف طن، ما تزال أقل بكثير من الاحتياجات الطارئة للسكان، خصوصًا في ظل نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الأساسية.
خروقات الهدنة وتوتر متصاعد
على الرغم من وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل استهداف المدنيين والبنية التحتية، ما أثار انتقادات واسعة بشأن خرقها المتكرر للاتفاق. ويحذر محللون من أن استمرار هذه الانتهاكات قد يؤدي إلى انهيار الجهود الدولية والإقليمية للتهدئة، ويدفع المنطقة إلى جولة جديدة من التصعيد العسكري.
المشهد الإنساني والسياسي
سكان غزة ما زالوا يواجهون واقعًا بالغ الصعوبة، مع اشتداد الحصار، وتواصل عمليات الهدم، وشح المواد الغذائية والطبية. ويؤكد خبراء أن أي تهدئة قابلة للحياة لا يمكن أن تتحقق من دون رفع الحصار وتحسين الظروف الإنسانية، فضلًا عن معالجة الأسباب السياسية العميقة للصراع.
سياسيًا، لا يزال الطرفان في موقع متصلب، فإسرائيل تستمر في خطاب تدمير البنية التحتية للمقاومة ومنع إعادة التسلح، في حين تؤكد حماس تمسكها بخيارات المقاومة والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ما يجعل الهدنة معرضة للاهتزاز في أي لحظة.
واخيرا تظهر عمليات النسف الأخيرة أن اتفاق وقف إطلاق النار ما زال هشًا وغير قادر على كبح الممارسات العدوانية الإسرائيلية. فاستمرار استهداف المنازل والبنية المدنية يفاقم المعاناة الإنسانية ويقوض الثقة في مسار التهدئة. وفي المقابل، تمنح التزامات حماس بشأن ملف الأسرى والجهود الدولية لإدخال المساعدات بصيص أمل محدود، لكنه غير كاف لبناء استقرار حقيقي. الطريق نحو سلام عادل ودائم لا يزال طويلًا، ويحتاج إلى إرادة سياسية جادة توقف النزيف الإنساني وتضع حدًا لسياسات التدمير والتهجير التي تدفع غزة نحو مأساة لا تتوقف.

