انطلقت انتخابات مجلس النواب للدوائر الخارجية في وقت تتصاعد فيه التساؤلات حول ترشح شخصيات موالية للنظام الحالي، تعكس استمرار هيمنة "السلطة المنقلبة" على البرلمان. المرشحون، الذين يثيرون جدلاً واسعًا، لا يواجهون انتقادات فقط بسبب خلفياتهم السياسية، بل أيضًا بسبب سجلهم الحافل بالفضائح والسلوكيات العدائية، بالإضافة إلى ارتباطاتهم بأسر سياسية وإعلامية حافظت على نفوذها منذ عهد نظام حسني مبارك.

 

المرشحون في دائرة الجدل

 

برز في الانتخابات أسماء مثل عيد حماد ومحمد راضي وأبانوب عزيز، مرشحو حزب مستقبل وطن، الأكثر قربًا من النظام الحالي. هؤلاء لديهم سجل حافل بممارسات عنف وبلطجة سياسية، أبرزها اقتحام نقابة المهندسين في مايو 2023 لمحاولة إفشال تجديد الثقة بالنقيب طارق النبراوي. كما تورط عيد حماد في نوفمبر 2022 في تهديد ضابط بإطلاق النار أثناء اشتباك في كمين حلوان، مما يعكس خطورة نوعية السلوكيات التي يمارسها بعض المرشحين الموالين للنظام.

 

إرث نظام مبارك وامتدادات الفساد

 

لم يقتصر النفوذ على المرشحين الحاليين، بل امتد إلى أبنائهم وأقاربهم من رموز الفساد الذين كانوا جزءًا من السلطة في عهد مبارك. من بينهم محمد شيحة، نجل أحمد شيحة المتهم بقتل المتظاهرين خلال ثورة يناير، وشريف عناني، نائب سابق عن الحزب الوطني الديمقراطي، المتهم بالاستيلاء على أراضٍ وأملاك، إلى جانب آخرين مثل محمد عبدالرحمن راضي وأحمد إبراهيم البنا الذين تربطهم أسرهم بممتلكات الدولة ودوائر النفوذ القديم.

 

توريث سياسي وإعلامي مستمر

 

تتكرر ظاهرة التوريث السياسي والإعلامي في القوائم الانتخابية، حيث يبرز عدد من المرشحين الاحتياطيين من أبناء وزراء ومسؤولين سابقين وحاليين، مثل إبراهيم محجوب ولجين عاصم الجزار ومصطفى محمد مرزوق القصير وياسمين محمود شعراوي وأحمد مصطفى بكري، بالإضافة إلى عائلات ذات ثقل اقتصادي مثل أبو العينين. هذه التوريثات تعكس استمرار نمط السيطرة العائلية على البرلمان، مع غياب أي منافسة سياسية حقيقية أو تمثيل شعبي ملموس.

 

تأثير الهيمنة على العملية الديمقراطية

 

حضور هؤلاء المرشحين يعكس استمرار هيمنة نفوذ اقتصادي وسياسي مقترن بالرعاية الأمنية والعسكرية، يهدف إلى احتكار السلطة ومنع أي مسار فعلي للإصلاح السياسي. وتكرار اختيار نفس الشخصيات، مع غياب معارضة فاعلة أو برامج انتخابية واضحة، يشير إلى أن البرلمان المقبل سيظل تابعًا للنظام، مكرسًا لتمرير القوانين التي تخدم مصالحه الاقتصادية والسياسية دون النظر لمصلحة المواطن.

 

صوت الناخبين بالخارج

 

يواجه المواطنون المصريون في الخارج تحديات كبيرة في اختيار ممثلين يعكسون مصالحهم الحقيقية، في ظل غياب برامج انتخابية واضحة أو مشاركة جادة في العملية السياسية، ما يزيد من عزوف الشباب والكفاءات الحقيقية عن الانتخابات ويعزز شعورهم بالاستبعاد السياسي.

 

واخيرا  استمرار تحكم القديم وضعف التمثيل الشعبي

 

تؤكد المؤشرات أن انتخابات مجلس النواب في الخارج كرست نفس أنماط الولاء السياسي والبلطجة والتوريث التي يشهدها الداخل المصري، مع مشاركة مرشحين لهم سجل عدائي وارتباط بالنظام القديم عبر علاقات أسرية وإعلامية. هذه التركيبة السياسية بعيدة عن تمثيل التنوع الاجتماعي والسياسي للمجتمع المصري، وتشكل آلية لضبط السلطة وتعزيز نفوذ النظام الحالي، مع حرمان المواطنين في الخارج من تمثيل حقيقي يعبر عن تطلعاتهم.

 

يبقى السؤال مطروحًا: هل ستستمر الانتخابات كواجهة لتثبيت السيطرة السياسية، أم ستنتصر إرادة الشعب المصري بالخارج في اختيار من يعكس مصالحهم وطموحاتهم ويحقق تمثيلاً فعليًا؟