أطلقت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تحذيرًا شديد اللهجة، مؤكدة أن الضفة الغربية تمر حاليًا بأسوأ أزمة نزوح منذ نكسة عام 1967. وبحسب الوكالة، فقد اضطر أكثر من 42 ألف فلسطيني إلى ترك منازلهم خلال الأشهر الأخيرة نتيجة التصعيد العسكري الإسرائيلي، وتزايد اعتداءات المستوطنين، وتوسع الاستيطان. هذا التطور الخطير لا يهدد فقط استقرار الضفة الغربية، بل يفاقم أيضًا الأزمة الإنسانية ويطرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة في ظل انسداد أفق الحل السياسي.
42 ألف نازح في شهور قليلة
أوضحت تقارير الأونروا أن موجة النزوح الأخيرة شملت آلاف العائلات التي كانت تقيم في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، خصوصًا قرب نابلس، جنين، والخليل. هؤلاء السكان أجبروا على ترك منازلهم قسرًا بعد أن أصبحت حياتهم مهددة نتيجة الاقتحامات العسكرية المتكررة والاعتداءات العنيفة من المستوطنين. وتؤكد الوكالة أن هذا الرقم غير مسبوق منذ أكثر من خمسة عقود، ما يجعل الوضع الإنساني في الضفة الغربية على حافة الانفجار.
المستوطنون كعامل رئيسي في النزوح
لم تعد الاعتداءات الإسرائيلية تقتصر على الجيش وحده، بل بات المستوطنون لاعبًا رئيسيًا في خلق موجات نزوح قسري. فقد شهدت الأشهر الماضية هجمات متصاعدة على القرى الفلسطينية، شملت حرق منازل، تدمير محاصيل، والاستيلاء على أراضٍ زراعية. وتشير منظمات حقوقية محلية ودولية إلى أن هذه الاعتداءات تتم غالبًا تحت حماية الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يعزز شعور الفلسطينيين بانعدام الأمان ويجبرهم على ترك أراضيهم.
كارثة إنسانية متصاعدة
أدى النزوح إلى تزايد أعداد الأسر التي تعيش في ظروف قاسية داخل مراكز إيواء مؤقتة أو لدى أقارب في مدن أخرى. كثير من النازحين فقدوا مصادر رزقهم وأراضيهم الزراعية التي تمثل شريان حياتهم الأساسي. كما أن الأونروا ومنظمات الإغاثة تواجه تحديات هائلة في توفير الغذاء، المياه، والرعاية الصحية، في ظل نقص التمويل والقيود الإسرائيلية على إدخال المساعدات. ويؤكد مراقبون أن الأزمة الإنسانية في الضفة لم تعد أقل خطورة من تلك التي يعيشها قطاع غزة.
الأبعاد السياسية للأزمة
أزمة النزوح الحالية تكشف عن أبعاد سياسية عميقة، إذ يرى محللون أنها جزء من سياسة إسرائيلية تهدف إلى تفريغ مناطق معينة من سكانها الفلسطينيين لصالح توسيع المستوطنات. هذه السياسة التي تصفها منظمات حقوقية بأنها "تطهير عرقي بطيء"، تمثل خرقًا صارخًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. كما أن غياب موقف دولي حاسم يفتح المجال أمام إسرائيل لمواصلة هذه السياسات دون محاسبة، وهو ما يضعف فرص التوصل إلى حل عادل للصراع.
دعوات دولية عاجلة للتدخل
في مواجهة هذا التصعيد، وجهت الأونروا نداءً عاجلًا للمجتمع الدولي للتحرك الفوري لحماية المدنيين في الضفة الغربية ووقف الانتهاكات. كما طالبت منظمات حقوقية بفتح تحقيقات دولية حول جرائم النزوح القسري، وفرض عقوبات على المسؤولين عنها. غير أن الاستجابة ما زالت محدودة، وهو ما يزيد من شعور الفلسطينيين بالعزلة ويعمق مأساتهم اليومية.
واخيرا فان أزمة النزوح في الضفة الغربية اليوم ليست مجرد حدث عابر، بل هي استمرار لمسار طويل من سياسات الاحتلال التي تستهدف الوجود الفلسطيني على أرضه. ومع وصول عدد النازحين إلى أكثر من 42 ألفًا، تقف الضفة أمام منعطف خطير يهدد مستقبلها الاجتماعي والسياسي. وفي ظل غياب موقف دولي فاعل، يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة واحدة من أعقد وأخطر الأزمات منذ عام 1967، ما يجعل التحرك العاجل مسؤولية إنسانية وأخلاقية قبل أن يكون مسألة سياسية.