أصدرت النيابة العامة في إسطنبول، الجمعة 7 نوفمبر 2025، مذكرات توقيف شملت 37 شخصية إسرائيلية بارزة، من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ووزيرة الأمن القومي إيتمار بن غفير ورئيس الأركان العامة إيال زامير وقائد القوات البحرية ديفيد سار سلامة. وتتهم التحقيقات هؤلاء المسؤولين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، في واحدة من أشد الانتهاكات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة.

 

تفاصيل الاتهامات والجرائم المزعومة

 

أوضح مكتب المدعي العام في إسطنبول أن التحقيق يثبت أن الأفعال الإسرائيلية لم تكن عرضية، بل جزء من سياسة ممنهجة من قبل الجيش الإسرائيلي تحت قيادة المسؤولين المتهمين. وبلغت هذه الانتهاكات ذروتها في استشهاد الطفلة هند رجب بعد إطلاق 335 رصاصة عليها في يناير 2024، والهجوم على مستشفى الأهلي المعمداني في أكتوبر 2023 الذي أسفر عن مقتل 500 شخص، إلى جانب ضرب مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وتدمير المنشآت الطبية الحيوية.

 

كما شمل التحقيق هجومًا إسرائيليًا على أسطول الصمود الدولي أثناء محاولته الوصول إلى غزة لتقديم مساعدات إنسانية من المياه الدولية، واعتبرته النيابة التركية قرصنة وانتهاكًا لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

 

موقف المؤسسات الفلسطينية وحركة حماس

 

رحبت حركة حماس بالقرار التركي، معتبرة إياه تعبيرًا عن دعم العدالة الإنسانية والأخوة الإسلامية للشعب الفلسطيني، ودعت إلى تحرك مماثل من الدول والهيئات القضائية الدولية لملاحقة قادة الاحتلال ومحاسبتهم على جرائمهم.

 

السياق التركي والدولي للقرار

 

تأتي هذه الخطوة ضمن السياسة التركية المتشددة تجاه إسرائيل منذ اندلاع النزاع في أكتوبر 2023، والتي شملت قطع العلاقات التجارية والدبلوماسية وحشد دعم إقليمي ودولي ضمن تحالفات إسلامية لمواجهة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة. وتعتبر هذه الإجراءات جزءًا من جهود أنقرة لتعزيز دورها الإقليمي والدولي والدفاع عن القضية الفلسطينية عبر أدوات قانونية وسياسية.

 

ردود الفعل الدولية والإسرائيلية كانت متباينة، إذ اعتبر البعض الخطوة التركية إجراءً قانونيًا جريئًا، بينما وصفت إسرائيل القرار بأنه "مسرحية سياسية" لا تأثير عملي لها، خاصة مع استحالة تنفيذ المذكرات على الأراضي التركية، ما يعكس حالة التوتر المتصاعدة بين البلدين.

 

تداعيات القرار وإمكانية التنفيذ

 

رغم أن تركيا عضو في المحكمة الجنائية الدولية، وتكتسب المذكرات طابعًا رمزيًا قويًا، إلا أن فرص تنفيذ أوامر الاعتقال على الأراضي التركية تظل محدودة دون تعاون دولي أوسع يشمل ضغوطًا سياسية ودبلوماسية. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة تفتح الباب أمام تحركات قضائية محتملة في دول أخرى لملاحقة المسؤولين الإسرائيليين وفق القوانين الدولية، وتشكل سابقة لحملة عالمية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في فلسطين.

 

تقييم حقوقي وقانوني

 

يرى خبراء القانون أن خطوة النيابة في إسطنبول تمثل نجاحًا مهمًا في مجال العدالة الدولية، إذ تتيح فتح ملفات تتعلق بجرائم حرب لم تحظَ بتحقيقات ميدانية كافية في المحافل الدولية، مما يعزز الضغط القانوني والدبلوماسي على إسرائيل. ومع ذلك، يحذر الخبراء من مخاطر سياسية قد تصعد الصراعات الإقليمية، وتؤثر على ملفات أمنية وإقليمية أخرى تشمل التعاون السياسي والاقتصادي بين أنقرة وتل أبيب.

 

واخيرا تشكل مذكرة التوقيف التركية خطوة استثنائية في مسار مساءلة قادة الاحتلال الإسرائيلي، وتعيد القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولي والقضائي بعد سنوات من الجمود. رغم محدودية التنفيذ المباشر، فإن القرار يعزز الأمل في تحقيق عدالة دولية ويضع إسرائيل تحت ضغط قانوني ودبلوماسي متزايد، كما يفتح الباب أمام تحركات قضائية ودبلوماسية دولية قد تشكل عامل ضغط جيوسياسي مهم في المنطقة. إنه تذكير بأن العدالة، رغم بطء تحركها، تظل ممكنة وأن التهرب من المسؤولية الدولية لا يخلو من العواقب.