أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال كلمته في منتدى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي الذي عُقد في سانت بطرسبرغ بتاريخ 26 يونيو 2025، أن موسكو تناقش مع الجانب المصري انضمام القاهرة إلى اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الذي يضم روسيا، كازاخستان، بيلاروسيا، أرمينيا وقيرغيزيا.

وأشار بوتين إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الشراكات الاقتصادية مع دول "من خارج الفضاء السوفيتي"، قائلاً: "نحن منفتحون على التعاون، ومصر شريك مهم في الشرق الأوسط".

لكن هذا الإعلان، رغم ما يبدو عليه من وعود اقتصادية، يفتح الباب للتساؤل حول الجدوى الحقيقية لانضمام مصر، في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة وتدهور سياساتها الإنتاجية منذ انقلاب 2013، إلى تكتل اقتصادي قائم على التبادل السلعي والتصنيع، بينما تعاني البلاد من تبعية للاستيراد وضعف البنية التحتية الإنتاجية.

 

ما هو الاتحاد الاقتصادي الأوراسي؟ وهل يمكن لمصر الاستفادة منه؟

تأسس الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) في عام 2015 كمنصة للتكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، ويوفر سوقًا مشتركة تضم أكثر من 185 مليون نسمة، ويستهدف إزالة الحواجز الجمركية، وتسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال.

وقد وقّعت في السنوات الماضية دول مثل إيران وفيتنام وصربيا اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد، في محاولة منها لكسر الحصار الغربي.

لكن الاقتصاديين يشككون في قدرة الاقتصاد المصري على الاستفادة الفعلية من هذا الانضمام، إذ لا تمتلك مصر قاعدة إنتاجية قوية قادرة على التصدير بأسعار تنافسية، بينما ستُفتح أسواقها أمام واردات رخيصة من الدول الأعضاء، ما قد يزيد من عجز الميزان التجاري المصري، الذي بلغ 46.5 مليار دولار في عام 2024 بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

 

اقتصاد في غرفة الإنعاش.. هل الاتفاقية طوق نجاة؟

منذ انقلاب يوليو 2013، عانى الاقتصاد المصري من سياسات قائمة على الديون والإنفاق العسكري والمشروعات غير ذات الأولوية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، ما أدى إلى تضاعف الدين الخارجي ليصل إلى 165 مليار دولار منتصف 2025، مقارنة بـ 43 مليار دولار فقط عام 2013، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور علاء عبد الحليم أن الاتفاقية "لن تُحدث فارقاً حقيقياً في الوضع الاقتصادي المصري، طالما بقيت الأزمة البنيوية في الاقتصاد قائمة: الاعتماد على الاستيراد، تراجع الزراعة والصناعة، وانكماش الاستثمار الأجنبي".

وأضاف أن "السوق الأوراسي قد يتحول إلى منفذ جديد لواردات روسيا من السلع الرديئة، بدلاً من أن يكون فرصة تصديرية لمصر".

 

تصريحات السيسي في مواجهة الواقع: إنكار أم تجاهل؟

رغم التدهور الواضح، لا يزال قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي يكرر أن "الوضع تحت السيطرة" وأن "مصر تحقق نمواً مستقراً"، كما قال في خطابه الأخير خلال "مؤتمر مصر الاقتصادية" في أبريل 2025، ولكن الواقع يناقض ذلك، نسبة التضخم تجاوزت 40%، وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار انهار إلى 73 جنيهاً منتصف يونيو 2025، فيما يعاني المواطن من طوابير السلع وارتفاع الأسعار.

وعن الاتفاقية مع الاتحاد الأوراسي، لم يصدر أي تصريح رسمي من الرئاسة المصرية حتى الآن، ما يُرجح أن الأمر لا يزال في مرحلة تفاوض، لكن التجارب السابقة مع الاتفاقيات التجارية (مثل الكوميسا والسوق العربية المشتركة) أثبتت أنها بلا أثر حقيقي إذا لم تكن هناك إرادة سياسية لتطوير الاقتصاد الحقيقي.

 

أبعاد سياسية للاتفاق

لا يمكن قراءة التحرك المصري نحو الاتحاد الأوراسي بمعزل عن السياق الجيوسياسي الحالي، حيث تبحث مصر، التي تواجه عزلة غربية نسبية بعد انتهاكات حقوق الإنسان، عن بدائل سياسية واقتصادية، ولذا تتقارب مع روسيا والصين وإيران، ويشير الباحث الروسي ألكسندر سوتنيك إلى أن "انضمام مصر سيمنح موسكو موطئ قدم جديد في شمال إفريقيا، مقابل تسهيلات مالية وتبادل تجاري".

لكن هذا التوجه يهدد بإلحاق الاقتصاد المصري بمراكز نفوذ خارجي دون استقلالية حقيقية، وهو ما يُكرس نمط التبعية، كما حدث مع القروض الخليجية والصينية التي لم تؤدِ إلى تنمية مستدامة.

 

هل تنقذ الاتفاقية مصر من أزمتها؟

في ظل حكم عسكري يفتقر للرؤية الاقتصادية الشاملة، تبدو خطوة الانضمام إلى الاتحاد الأوراسي أقرب إلى مناورة سياسية منها إلى مشروع إنقاذ اقتصادي.

فبدلاً من البحث عن اتفاقيات جديدة، يرى اقتصاديون أن مصر بحاجة إلى إصلاح داخلي جذري، دعم الصناعة والزراعة، وقف الإنفاق العبثي، وإنهاء هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد.

الاتفاقية قد تكون مفيدة في حالة وجود قطاع إنتاجي قوي واستراتيجية اقتصادية واضحة، لكنها في ظل الأوضاع الحالية قد تكون مجرد وهم جديد يُضاف إلى قائمة الأوهام التي روّج لها النظام منذ انقلاب 2013، لتبرير إخفاقاته المتكررة أمام الداخل والخارج.