مع تراجع الحرب بين إيران وإسرائيل إلى هدنة هشّة، يتوقف نجاح الهجوم العسكري الأمريكي الإسرائيلي على مصير منشأة فوردو لتخصيب الوقود النووي، المدفونة داخل جبل جنوب طهران. خلال نهاية الأسبوع الماضي، قصفت الولايات المتحدة المنشأة بالتوازي مع هجمات إسرائيلية استهدفت منشآت نطنز وأصفهان النووية.

تُعدّ فوردو من أكثر المنشآت تحصينًا، تقع على عمق يتراوح بين 80 إلى 100 متر تحت الأرض، ومحمية بطبقات خرسانية صلبة تجعل تدميرها صعبًا للغاية. قبل الحرب، شغّل الإيرانيون هناك نحو ألفي جهاز طرد مركزي، بينها 350 من طراز IR-6 كانت تخصّب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة لا تخدم الاستخدامات المدنية.

صرّح رئيس هيئة الأركان الأمريكية دان كاين أن جميع المواقع المستهدفة تعرّضت لأضرار "شديدة للغاية"، بينما توقّع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، حدوث أضرار كبيرة في أجهزة الطرد المركزي بسبب قوة القنابل. ورغم ذلك، ظل الغموض يلف مدى الضرر الفعلي، إذ أشارت تقارير استخباراتية أولية إلى أن إيران ربما أخلت كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب من الموقع، مما قد يعني أن تأثير الضربات اقتصر على تأخير البرنامج النووي لأشهر قليلة.

مصير منشأة فوردو سيحدد ما إذا كانت إيران ستتنازل عن برنامجها النووي أو ستواصل سعيها لامتلاك السلاح النووي. وفيما يلي ثلاثة سيناريوهات محتملة:

 

السيناريو الأول: فوردو تعرّضت لتدمير جزئي والبرنامج قابل للاستئناف

إذا نجح الهجوم جزئيًا فقط أو احتفظت إيران بجزء من اليورانيوم، فلن تتخلى عن برنامجها بسهولة. قد ترى طهران في نجاتها من هجوم مزدوج دليلاً على صلابتها، فتستأنف تخصيب اليورانيوم وربما تندفع نحو إنتاج قنبلة نووية. وإذا بقيت قاعات التخصيب صالحة للعمل جزئيًا، فقد تواصل إيران العمل بسرّية، خاصة إذا بقيت المنشآت المرتبطة بتحويل المواد النووية إلى أسلحة سليمة.

أما في حال تضرّرت القاعات تمامًا، فقد تضطر إيران للقبول بقيود تفاوضية، على أن تحصل مقابل ذلك على ضمانات أمنية وتخفيف للعقوبات. لكن إذا نجا جزء من البرنامج، فلن توقفه سوى ضغوط تهدد بقاء النظام نفسه. حتى في حال التوقّف المؤقت، سيظل خطر العودة إلى التخصيب قائمًا، وقد تُعاود إسرائيل الهجوم مستقبلًا إذا استشعرت استئناف إيران لبرنامجها.

 

السيناريو الثاني: تدمير كامل لفوردو وفقدان اليورانيوم

إذا تسببت الضربات في تدمير شامل للموقع ولم تنقل إيران أي من المواد النووية، فقد تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات حقيقية. قد تقبل الدخول في مفاوضات شاملة تتعلق ببرنامجها النووي مقابل ضمانات أمنية ومكاسب اقتصادية.

لكن نظراً لتمسّك إيران طويل الأمد بقدرتها النووية الذاتية، فقد تطلب الدول الكبرى رقابة مكثفة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان عدم استئناف البرنامج سرًا مستقبلاً، خاصة أن طهران تمتلك المعرفة التقنية لإعادة البناء بسرعة إذا أتيحت لها الفرصة.

 

السيناريو الثالث: فوردو ما زالت تعمل رغم الضربات

هذا الاحتمال هو الأقل ترجيحًا، لكنه قائم. ربما كانت إجراءات إيران التحصينية أكثر فاعلية مما توقعته الولايات المتحدة، أو لم تؤدِّ القنابل الخارقة للتحصينات إلى التأثير المطلوب. إذا بقيت المنشأة تحت الأرض سليمة إلى حد كبير، فستتمكن إيران من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم.

في هذا السيناريو، سيواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطًا لمواصلة التصعيد، وربما يطلب من الولايات المتحدة تزويده بقنابل أكثر تطورًا لاستخدامها مستقبلاً. كما قد يعمد الإيرانيون إلى تحصين منشآت جديدة على غرار فوردو. أحد الأمثلة هو منشأة جديدة قرب نطنز داخل جبل "كولنغ غاز لا" التي اكتُشفت في 2024 وتعد أعمق من فوردو، ولم يسمح للمفتشين الدوليين بزيارتها بعد.

تاريخ إيران في إخفاء وتطهير المنشآت النووية، مثل لافيزان-شيان، وفارامين، وتورقوزآباد، يفتح المجال لإعادة استخدامها في حال لم تُقصف. كل هذا يجعل احتمال تخلي طهران عن برنامجها النووي ضعيفًا.

إذا احتفظت إيران بقدرتها على التخصيب، فقد يقرّر المرشد الأعلى اتخاذ خطوة جريئة وتصنيع سلاح نووي وامتلاكه علنًا، لردع أي هجمات مستقبلية وإظهار أن إيران أصبحت قوة نووية. وهكذا، قد يتحقق السيناريو ذاته الذي أرادت الولايات المتحدة وإسرائيل منعه بضرب فوردو.
 

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/what-really-happened-to-fordow-three-possible-futures-for-irans-nuclear-program-after-us-strikes/