رغم مرور أكثر من 20 شهرًا على الحصار والتهجير والمجازر، يواصل الفلسطينيون في غزة التمسك بأرضهم، بينما تصعّد إسرائيل عدوانها وتستهدف نقاط توزيع المساعدات وتقتل المدنيين الجوعى الرافضين للرحيل.
في المقابل، أدى رد إيران على العدوان الإسرائيلي الأخير إلى موجة هروب جديدة للإسرائيليين، حيث سعى المواطنون والمقيمون والسياح إلى مغادرة البلاد عبر "قوافل هروب" ورحلات إنقاذ، بعدما تدهورت الظروف المعيشية بشكل غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023.
أمام هذه الهجرة الجماعية، منعت الحكومة الإسرائيلية المواطنين من مغادرة البلاد إلا بموافقة لجنة استثناءات حكومية. ورغم عودة البعض ممن كانوا عالقين في الخارج، تواصلت موجة الهجرة ضمن نمط أوسع بدأ قبل سنوات.
ففي ديسمبر 2022، نشرت صحيفة معاريف عن حركة جديدة تسعى لنقل الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة، بعد الانتخابات التي رأى البعض أنها غيّرت طبيعة الدولة الصهيونية. قادة الحركة مثل الناشط يانيف جورليك ورجل الأعمال موردخاي كاهانا تحدثوا عن خطة لنقل 10 آلاف إسرائيلي في مرحلتها الأولى، معتبرين أن الهجرة إلى أمريكا أسهل من دول مثل رومانيا أو اليونان، خاصة لأصحاب الشركات والمهن المطلوبة كالطيارين والأطباء.
ليست هذه الظاهرة جديدة. فعدد متزايد من الإسرائيليين اليهود اختار مغادرة الدولة بسبب خيبة الأمل السياسية، والخوف من فقدان الأغلبية اليهودية، وانعدام استدامة المشروع الصهيوني. بحلول نهاية 2003، قدّرت الحكومة الإسرائيلية أن أكثر من 750 ألف إسرائيلي يعيشون في الخارج، معظمهم في الولايات المتحدة وكندا.
في 2011، أطلقت وزارة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية حملة إعلامية تحاول دفع المهاجرين للعودة. إحدى الإعلانات أظهرت طفلاً ينادي والده بكلمة "أبّا" بدلًا من "دادي"، كإشارة إلى فقدان الهوية الإسرائيلية لأبناء المهاجرين. الإعلان أثار موجة غضب واضطرت الوزارة إلى سحبه وتقديم اعتذار.
في عام 2017، حاولت الحكومة تقليل الهجرة عبر تقديم حوافز لمن يعودون، دون جدوى. كما حاول وزير العلوم جذب المغتربين من وادي السيليكون عبر منح دراسية لإكمال الدكتوراه، دون نجاح يُذكر. في نفس الوقت، توقّع خبراء ديموغرافيا مثل سيرجيو ديلا بيرغولا منذ سنوات هجرة جماعية قادمة.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي واسع النطاق في أكتوبر 2023، أشارت البيانات الرسمية إلى مغادرة 82 ألف إسرائيلي، بينما قدّرت المصادر غير الرسمية العدد بنحو نصف مليون. دفعت هذه الأرقام الحكومة لفرض قيود جديدة على السفر، مشترطة موافقة لجنة استثنائية لكل من يريد المغادرة.
رغم ذلك، أبلغت شركات الطيران الإسرائيلية مواطنيها بعدم إمكانية بيع التذاكر لهم، تنفيذًا لتعليمات حكومية. بينما أُتيح للآلاف من الأجانب المغادرة، حُرم الإسرائيليون من ذلك.
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن أكثر من 25 ألف أمريكي طلبوا معلومات حول مغادرة إسرائيل والضفة الغربية وإيران، بينما رصدت مذكرة داخلية نحو 10 آلاف طلب للخروج من إسرائيل في يوم واحد.
في كندا، سجل نحو 6 آلاف مواطن وجودهم في إسرائيل تمهيدًا للمغادرة، و400 آخرون في الضفة الغربية. سارعت الحكومة الكندية لتنظيم رحلات إجلاء إلى مصر والأردن، كما فعلت فرنسا وأستراليا مع مواطنيها. غادر كثير من الأمريكيين البلاد عبر مصر، وكذلك فعل ألمان عبر الأردن، بينما لجأ بعض الإسرائيليين إلى الإبحار نحو قبرص فيما أُطلق عليه "قوافل الهروب البحرية".
في الداخل، تتزايد الانتقادات للمنع الحكومي على مغادرة المواطنين، حيث أعربت حركة "الحكم الرشيد" عن قلقها من غموض معايير لجنة الاستثناءات، ووجّهت رسالة إلى المستشار القانوني للحكومة، مؤكدة أن القرار يخالف القانون الأساسي الإسرائيلي.
أما في غزة، فرغم المجاعة وسياسة التهجير، كشفت صحيفة هآرتس أن أغلب الفلسطينيين متمسكون بحق العودة، بعكس ما تتوقعه إسرائيل. وأظهر نفس التقرير أن عدد الشباب الإسرائيليين الراغبين في الهجرة قد تضاعف ثلاث مرات مقارنة ببداية الحرب. قال أحدهم: "الحرب سيف ذو حدّين، صحيح أننا لا نعاني مثل الغزيين، لكن كثيرًا منا لم يعد يتحمل العيش هنا".
في مفارقة تاريخية، طالما دعت إسرائيل في السبعينيات إلى إطلاق سراح يهود الاتحاد السوفيتي تحت شعار "دع شعبي يذهب"، واليوم يتوسل الآلاف إلى نتنياهو: "دع شعبي يغادر".
https://www.middleeasteye.net/opinion/palestinians-are-massacred-staying-israelis-are-desperate-flee