خلال زيارته إلى لاهاي، ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كالمعتاد وهو يحاول فرض رؤيته على أعضاء حلف الناتو، داعيًا الحلفاء إلى زيادة الإنفاق العسكري، بصرف النظر عن احتياجاتهم الاجتماعية الأساسية مثل الصحة والتعليم. أراد ترامب أن يرسّخ فكرة أن الدفاع يأتي أولًا، حتى لو كان التهديد محدودًا أو متخيّلًا.

المفارقة أن هذه الزيادة في الميزانيات الدفاعية لم تأتِ من قوة تأثير ترامب، بل من شكوك الحلفاء حول مدى التزامه بالبند الخامس من ميثاق الناتو، الذي ينص على الدفاع الجماعي. نظرة الأوروبيين إلى ترامب كحليف لا يمكن الاعتماد عليه دفعتهم إلى تعزيز قدراتهم العسكرية.

الاتحاد الأوروبي أطلق مؤخرًا مبادرات تهدف إلى رفع الإنفاق الدفاعي إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، مع تسهيل الاستثمارات في الصناعات العسكرية. كما تلعب الحرب في أوكرانيا دورًا محوريًا، حيث يرفض الاتحاد الأوروبي أي تسوية تُعدّ مكسبًا لروسيا.

الأمين العام الجديد للناتو، مارك روته، اعتبر هذه الزيادات المالية ضرورية، لكنه أثار الجدل بتعليقاته المبالغ فيها مثل قوله: "أحيانًا على الأب أن يستخدم لغة صارمة" في إشارة إلى الخلاف بين إيران وإسرائيل، وهو تصريح لاقى إعجاب ترامب، الذي رد قائلًا بسعادة: "أظن أنه يحبني".

نهج روته أثار انتقادات داخل الناتو، حيث اتُّهم بتحييد ملفات مهمة مثل تغيّر المناخ وأجندة "المرأة والسلام والأمن"، وبتجاهل تجاوزات ترامب في ملفات مثل محاولة شراء جرينلاند، أو إهانته لقادة كالرئيس الأوكراني زيلينسكي ورئيس جنوب أفريقيا رامافوزا.

في تصريح يوم 25 يونيو، عبّر روته عن رغبته بأن يمتلك الناتو الموارد والقدرات الكافية لمواجهة روسيا، وأيضًا التصعيد العسكري من الصين وكوريا الشمالية وإيران، زاعمًا أن انتخاب ترامب هو السبب الحقيقي في دفع الدول الأعضاء للاقتراب من هدف 2% من الناتج المحلي للإنفاق العسكري، وهو ما لم يكن سيحدث لولا وجوده في البيت الأبيض، حسب قوله.

قمة لاهاي خرجت بوثيقة تعهّدت الدول الأعضاء فيها بزيادة إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2035، لتلبية "متطلبات الدفاع الأساسية والإنفاق المرتبط بالأمن"، موجهة أصابع الاتهام كالمعتاد إلى روسيا، ومعتبرة إياها تهديدًا طويل الأمد لأمن أوروبا، مع ذكر "التهديد المستمر للإرهاب" كخطر موازٍ.

لكن هذه الوثيقة تخفي كثيرًا من التضليل في الأرقام. فالـ5% المعلنة تنقسم إلى 3.5% تخصص مباشرة للدفاع التقليدي وأهداف الناتو العسكرية، و1.5% تُحسب بطريقة محاسبية مرنة تشمل مجالات مثل حماية البنية التحتية والدفاع السيبراني والابتكار والاستعداد المدني، مما يضفي طابعًا تضخيميًا على الإعلان.

رغم الادّعاء بالإجماع داخل الناتو، تعارض بعض الدول هذا التوجه. رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، صرّح بأن بلاده "لديها ما هو أفضل لتصرف عليه أموالها"، فيما اعتبر رئيس وزراء إسبانيا، بيدرو سانشيز، أن هدف 5% "لا يتوافق مع رؤيتنا للعالم"، مفضلًا الشراء المتزن للمعدات الدفاعية بدلًا من الإنفاق المفرط.

بينما يُرضي روته غرور ترامب، يظهر في دور المروّج الأول له داخل الحلف، رغم أن علاقة ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا تزال ودّية، وهو ما يجعل مشهد المداهنة السياسية أكثر تناقضًا. وعلى الرغم من الجهود لتقديم روته كصاحب دور محوري في الناتو، يراه البعض مُروّجًا للحرب بقيمة 5% من اقتصاد كل دولة عضو، في مشهد سيبقى محفورًا في ذاكرة أوروبا كإرث لا يُحتفى به كثيرًا.
https://www.middleeastmonitor.com/20250628-the-five-percenters-natos-promise-of-war/