اعتمد مجلس الأمن الدولي في السادس من نوفمبر 2025 مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة يقضي برفع العقوبات الدولية المفروضة على الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، بعد نحو 12 عاماً من إدراجهما ضمن قوائم العقوبات المرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة. وقد حظي القرار بتأييد 14 دولة، في حين امتنعت الصين عن التصويت، بعد إدخال تعديلات ركزت على ضرورة التزام سوريا بتعزيز العدالة الانتقالية ومكافحة الإرهاب.
مضمون القرار والتزامات سوريا
جاء القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مع تأكيد المجلس على احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وأعرب أعضاء المجلس عن ترحيبهم بالتزامات الحكومة السورية المتعلقة بضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ومكافحة الإرهاب بما في ذلك المقاتلون الأجانب، وحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين، إضافة إلى مكافحة المخدرات وتعزيز مسارات العدالة الانتقالية، والالتزام بعملية سياسية شاملة يقودها السوريون أنفسهم.
التعديلات التي طرحتها الصين أضافت تشديداً على أهمية تطوير مسار العدالة الانتقالية ودعم العملية السياسية، مع إعادة التأكيد على المخاطر المرتبطة بالإرهابيين الأجانب. ويعكس ذلك حرص بكين على ضمان أن يكون رفع العقوبات جزءاً من مقاربة أوسع تهدف إلى تعزيز الاستقرار داخل سوريا.
خلفية القرار وتداعياته
أُدرج الشرع وخطاب في قوائم العقوبات الأممية في سياق النزاع السوري الذي انطلق عام 2011، بناءً على اتهامات بارتباطهما بفصائل متطرفة. إلا أن المتغيرات الميدانية والسياسية خلال السنوات الأخيرة، وخصوصاً تشكيل حكومة انتقالية برئاسة الشرع، دفعت أطرافاً دولية إلى إعادة تقييم هذا الإدراج.
ويُنظر إلى خطوة رفع العقوبات باعتبارها جزءاً من مسار لإعادة إدماج سوريا في محيطها الدولي، وتشجيع عملية السلام وإعادة الإعمار. كما تأتي ضمن سياق تحركات دبلوماسية أوسع، من بينها زيارة مرتقبة للشرع إلى واشنطن لإجراء مباحثات مع الإدارة الأمريكية والكونجرس بشأن تخفيف أو إلغاء قانون قيصر، في مؤشر على تحولات لافتة في الموقف الأمريكي.
موقف دمشق وحلفائها
رحبت الحكومة السورية بالقرار، واعتبرته دليلاً على تجاوب المجتمع الدولي مع خطواتها لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. كما أكدت أن القرار يفتح باباً لتعاون أوسع في مجالات إعادة الإعمار وإصلاح المؤسسات.
وإلى جانب دمشق، أعلنت تركيا ترحيبها بالخطوة مؤكدة دعمها لجهود سوريا في المسارين السياسي والإنساني، في إشارة إلى تقارب وظيفي يعكس تغيراً تدريجياً في المشهد الإقليمي تجاه الأزمة السورية.
تحديات المرحلة المقبلة
ورغم أهمية القرار على المستوى السياسي، تواجه سوريا مجموعة من التحديات الثقيلة. فمكافحة الإرهاب ما تزال ملفاً مفتوحاً يتطلب القدرة على ضبط الحدود وملاحقة شبكات محلية ودولية. كما تبقى العدالة الانتقالية واحدة من أكثر الملفات حساسية، بالنظر إلى الماضي الدموي والانقسام المجتمعي الذي خلفته سنوات الحرب.
على الصعيد السياسي، يتعين على الحكومة الانتقالية تقديم خطوات ملموسة نحو عملية سياسية شاملة لا تقصي أي طرف، وهو ما سيحدد مصداقيتها أمام السوريين والمجتمع الدولي. كما ما تزال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تمثل عبئاً ضخماً، حيث يعاني ملايين المواطنين من الفقر والنزوح وغياب البنية التحتية الأساسية.
واخيرا يمثل قرار مجلس الأمن برفع العقوبات عن أحمد الشرع وأنس خطاب نقطة تحول في مسار العلاقة بين سوريا والمجتمع الدولي، ويعكس اعترافاً بمرحلة جديدة تتشكل في الملف السوري. فالخطوة تحمل دلالات سياسية عميقة تؤشر إلى رغبة دولية في إعادة دمج سوريا ضمن النظام العالمي، وفتح المجال أمام مسارات إعادة الإعمار والتنمية.
مع ذلك، يبقى نجاح هذا التحول مرهوناً بقدرة الحكومة السورية على تنفيذ التزاماتها في مكافحة الإرهاب، وتحقيق العدالة الانتقالية، وإطلاق عملية سياسية حقيقية تستجيب لطموحات السوريين. كما سيختبر المجتمع الدولي قدرة دمشق على الحفاظ على الاستقرار ومنع أي ارتداد للعنف أو عودة للتطرف. وبين الطموحات والوقائع، تقف سوريا أمام فرصة تاريخية لإعادة تشكيل موقعها، شرط أن تُترجم هذه الخطوة إلى تغييرات ملموسة داخل البلاد.

