عبّر مجلس الأمن الدولي عن "قلقه العميق" إزاء تصاعد العنف في السودان، بعد تقارير أممية تحدثت عن إعدامات جماعية وانتهاكات واسعة بحق المدنيين في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، عقب سيطرة قوات الدعم السريع عليها إثر حصار دام 18 شهراً.

وبينما دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للعمليات القتالية، نفت قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن الجرائم المنسوبة إليها، في وقت تتفاقم فيه الأزمة الإنسانية مع نزوح عشرات الآلاف من السكان وتوسع رقعة الصراع إلى ولايات جديدة.

 

إدانة دولية ونفي من قوات الدعم السريع

أدان مجلس الأمن في بيان رسمي الانتهاكات المنسوبة إلى قوات الدعم السريع، متحدثاً عن "فظائع ميدانية واعتقالات تعسفية وإعدامات جماعية"، داعياً جميع الأطراف إلى وقف فوري للقتال وضمان وصول المساعدات الإنسانية.

https://x.com/serbesttsindi/status/1983916471215346174

من جانبه، قال توم فليتشر، مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، إن مدينة الفاشر "انزلقت إلى جحيم أكثر قتامة"، مشيراً إلى أن "نساءً وفتيات تعرضن للاغتصاب، ومدنيين شوّهوا وقُتلوا في ظل إفلات تام من العقاب".

في المقابل، نفت قوات الدعم السريع عبر قناتها على "تلغرام" مسؤوليتها عن مقتل مئات المرضى داخل المستشفى السعودي بالفاشر، مؤكدة أن ما يتم تداوله "محض افتراءات تهدف لتشويه الصورة"، رغم أن صور الأقمار الاصطناعية وتقارير المتطوعين كشفت عن دمار واسع النطاق داخل المدينة.

 

نزوح جماعي وأوضاع إنسانية كارثية

بحسب بيانات الأمم المتحدة، فرّ أكثر من 36 ألف مدني من الفاشر منذ الأحد الماضي، معظمهم إلى مدينة طويلة المجاورة التي تستضيف بالفعل أكثر من 650 ألف نازح.
المنظمة وصفت الوضع بأنه "كارثي إنسانياً"، حيث يفتقر السكان للمياه والغذاء والدواء، وتواجه المستشفيات نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية.

وامتد العنف إلى ولاية شمال كردفان، حيث قُتل ما لا يقل عن 50 مدنياً في مدينة بارا بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليها، وسط تقارير عن عمليات تصفية ونهب واسعة.

 

حميدتي يعد بالتحقيق ويأمر بالانسحاب من الأحياء السكنية

في خطاب متلفز، قال قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) إنه أمر بفتح تحقيقات داخلية بشأن الانتهاكات الموثقة ضد المدنيين، متعهداً بمحاسبة كل من يثبت تورطه.

وأكد أنه أصدر تعليمات بسحب قواته من الأحياء السكنية ونشر وحدات شرطة تابعة للدعم السريع لتأمين المدينة. كما دعا النازحين للعودة إلى منازلهم، وحث المنظمات الدولية على تقديم مساعدات عاجلة للسكان.

https://x.com/OMsaraKSA_/status/1983966045216882714

لكن مراقبين رأوا في هذه التصريحات محاولة لتخفيف الضغط الدولي دون تغيير حقيقي على الأرض، خاصة بعد انتشار مقاطع مصورة تظهر أعمال قتل ونهب واغتصاب جماعي في أحياء المدينة.
https://x.com/Quran__Video/status/1983205861263556779

 

تحذيرات أممية من توسع رقعة الصراع

حذرت مارثا بوبي، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، من أن سقوط الفاشر يمثل "تحولاً خطيراً في مسار الحرب"، مؤكدة أن "الآثار الإقليمية ستكون عميقة".
وأضافت أن القتال يمتد إلى ولايات أخرى مثل النيل الأزرق وجنوب كردفان وغرب دارفور والخرطوم، مشيرة إلى أن مخاطر الفظائع الجماعية والعنف العرقي والجنسي لا تزال "مرتفعة بشكل مقلق".

 

اتهامات جديدة بمجازر في شمال كردفان

اتهمت شبكة أطباء السودان قوات الدعم السريع بارتكاب مجزرة جديدة في منطقة أم دام حاج أحمد بولاية شمال كردفان، راح ضحيتها 38 مدنياً تم إعدامهم ميدانياً بدم بارد.
وقالت الشبكة إن ما حدث "يمثل امتداداً لعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية في شمال كردفان ودارفور"، بينما نفت قوات الدعم السريع مجدداً تلك الاتهامات، ووصفتها بأنها "حرب إعلامية لتشويه الصورة".

 

شهادات مروعة من النازحين

روى نازحون من بارا والفاشر لوسائل إعلام دولية، بينهم "بي بي سي"، تفاصيل مروعة عن اقتحام المنازل وإعدام الرجال أمام أسرهم ونهب الممتلكات.

https://x.com/bouchraSahrane/status/1983924307416830039

وأكد بعض الشهود أن من يحاول دفن الضحايا يُقتل بدوره، وأن المدينة أصبحت "مقبرة مفتوحة بلا قانون".

https://x.com/a_alsarii90/status/1983535024378089930

وقالت منظمة الهجرة الدولية إن أكثر من 26 ألف شخص فرّوا خلال يومين فقط، موضحة أن "آلاف العائلات تسير لأيام تحت الشمس بلا طعام أو ماء"، في ظل غياب تام لأي ممرات إنسانية آمنة.

 

خلفية الصراع: من الشراكة إلى الحرب الأهلية

بدأ النزاع في أبريل 2023 بعد خلاف بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي حول مسألة دمج الأخيرة في القوات النظامية.
تحوّل الخلاف إلى حرب أهلية دامية شملت فظائع عرقية ونزوحاً واسعاً وجوعاً متفاقماً، حيث تشير التقديرات إلى فرار أكثر من 4 ملايين سوداني إلى دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.

واليوم، مع سقوط الفاشر، يزداد المشهد قتامة، وتبدو البلاد غارقة في دوامة عنفٍ يصعب وقفها ما لم يتحرك المجتمع الدولي بجدية لوقف الحرب ومحاسبة مرتكبي الجرائم.