في لقاء جديد جمع  عبد الفتاح السيسي ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، جدد السيسي تأكيده على موقف مصر "الثابت" من الأزمة السودانية، ورفضه لأي محاولات لإنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة السودانية، مشددًا على ضرورة دعم الجيش الوطني باعتباره الركيزة الأساسية لوحدة السودان واستقراره.

ورغم أن التصريحات تبدو في ظاهرها تأكيدًا على الثوابت المصرية التقليدية تجاه السودان، إلا أن المراقبين يرون أن القاهرة ما تزال تتعامل بحذر بالغ مع الأزمة المشتعلة على حدودها الجنوبية، مكتفية بالتصريحات الدبلوماسية دون أن تتخذ مواقف أكثر حسمًا لحماية مصالحها الاستراتيجية أو مواجهة الأطراف الإقليمية التي تلعب دورًا مباشرًا في مسار الحرب.

 

علاقات مصر وإريتريا.. شراكة معلنة وقلق مكتوم

اللقاء، الذي جرى في القاهرة أمس الخميس، جاء ليؤكد استمرار التنسيق بين مصر وإريتريا في ملفات القرن الإفريقي، خاصة ما يتعلق بالأمن الإقليمي والبحر الأحمر.

وقد شدد السيسي على "اعتزاز مصر بالعلاقات الاستراتيجية مع إريتريا" وعلى "حرصها على تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري"، إلى جانب تأكيده دعم سيادة أسمرة وسلامة أراضيها.

لكن خلف هذا الخطاب الدبلوماسي التقليدي، يرى محللون أن القاهرة تحاول عبر علاقتها مع أسمرة الحفاظ على موطئ قدم في القرن الإفريقي، في ظل تنامي النفوذ الإماراتي في المنطقة، بينما تتراجع قدرة مصر على التحرك الفعلي بسبب اعتبارات سياسية واقتصادية داخلية وضغوط مالية متزايدة.

 

الأزمة السودانية.. الموقف المصري بين التردد والتبعية

تطرّق اللقاء بين السيسي وأفورقي إلى تطورات الحرب في السودان، حيث اتفق الجانبان على ضرورة دعم "مؤسسات الدولة الوطنية" ورفض "الكيانات الموازية"، في إشارة واضحة إلى قوات الدعم السريع التي تخوض صراعًا مفتوحًا مع الجيش السوداني.

ورغم هذا التأكيد المتكرر، يشير مراقبون إلى أن الموقف المصري لا يتجاوز حدود التصريحات، فبينما تتحدث القاهرة عن دعم الجيش السوداني ووحدة السودان، تلتزم الصمت تجاه الأدوار الإقليمية التي تُطيل أمد الصراع — خصوصًا الدور الإماراتي الداعم لأطراف معينة داخل السودان.

ويرى خبراء أن هذا الصمت ليس وليد الصدفة، فالعلاقات المصرية الإماراتية تقوم على شبكة مصالح مالية وسياسية عميقة منذ الانقلاب عام 2013، حين لعبت أبوظبي دورًا أساسيًا في دعم عبدالفتاح السيسي سياسيًا واقتصاديًا.

وتؤكد تقارير اقتصادية أن الاستثمارات الإماراتية استحوذت خلال السنوات الماضية على أصول استراتيجية مصرية، كان آخرها مشروع "رأس الحكمة" الساحلي الذي أُثير حوله جدل واسع بسبب نقل ملكيته لشركات إماراتية.

 

البحر الأحمر.. الأمن الإقليمي تحت النفوذ الخارجي

وفي ملف البحر الأحمر، أكد السيسي وأفورقي أهمية تنسيق الجهود لضمان أمن هذا الممر الملاحي الحيوي ومنع أي تهديدات للملاحة الدولية. لكن هذا الملف أيضًا يعكس واقعًا أكثر تعقيدًا مما تظهره البيانات الرسمية؛ إذ تتشارك عدة قوى إقليمية — من بينها الإمارات والسعودية وإسرائيل — النفوذ في موانئ البحر الأحمر، بينما تكتفي القاهرة بدور رمزي لا يتناسب مع موقعها الجغرافي ولا مع مصالحها الاستراتيجية.

 

سياسة بيانات لا أفعال

يخلص مراقبون إلى أن السياسة المصرية في الملفات الإقليمية أصبحت حبيسة دائرة التصريحات دون خطوات ميدانية أو دبلوماسية فاعلة، نتيجة شبكة العلاقات المعقدة التي تربط النظام المصري بعدد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها الإمارات التي تمثل أحد أهم الداعمين الماليين والاقتصاديين له.

وبينما تشتعل الأوضاع في السودان على مقربة من الحدود المصرية، تكتفي القاهرة بتكرار دعوات "دعم المؤسسات الوطنية" دون تحرك ملموس لحماية حدودها أو أمنها القومي، وهو ما يعزز الانطباع بأن الأولويات المصرية لم تعد مرتبطة فقط بالمصالح الوطنية المباشرة، بل بالتحالفات التي تشكلت منذ عام 2013 ولا تزال تفرض قيودها حتى اليوم.