شنّ الاحتلال الإسرائيلي، فجر الجمعة، سلسلة من الغارات والقصف المدفعي العنيف على مناطق متفرقة من القطاع، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى في صفوف المدنيين، إلى جانب تدمير منازل ومرافق سكنية، في تصعيد جديد ينسف اتفاق وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة.
وأفادت مصادر محلية وطبية أن خمسة مواطنين استُشهدوا، بينهم اثنان متأثران بجروح أصيبا بها في قصف سابق، في حوادث متفرقة في خان يونس وجباليا وغزة.
وأكدت المصادر أن الشهيد حمدي البريم قضى متأثراً بإصابات بالغة نتيجة قصف استهدف منزله في حي مصبّح ببلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، فيما استُشهد الشاب محمد سالم قديح متأثراً بجروحه التي أصيب بها في قصفٍ سابق استهدف خيمة نازحين بمواصي خان يونس، ليلتحق بوالده الذي ارتقى خلال حرب الإبادة على القطاع.
وفي حي الشجاعية شرق غزة، أعلن مستشفى المعمداني عن استشهاد المواطن محمود سليمان الوادية وإصابة شقيقه برصاص قناصة الاحتلال، بينما استُشهد آخر في جباليا برصاص القوات الإسرائيلية المنتشرة على تخوم المنطقة الشمالية.
وتواصل قوات الاحتلال عمليات القصف والنسف شرق خان يونس وشرق مدينة غزة، حيث سُمعت انفجارات ضخمة ناجمة عن تفجير منازل المواطنين في المناطق الشرقية. كما فتحت الزوارق الحربية الإسرائيلية النار باتجاه سواحل مدينة غزة، في مشهد يؤكد استمرار الانتهاكات رغم سريان وقف إطلاق النار.
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فقد ارتفع عدد الشهداء منذ إعلان وقف الحرب في 10 أكتوبر الجاري إلى أكثر من 218 شهيدًا، إضافة إلى 598 إصابة موثقة، في حين لا تزال عمليات انتشال الجثث مستمرة، وقد تم استخراج 482 جثمانًا من تحت الأنقاض حتى الآن.
جثامين جديدة وتسليم مروع
في تطور آخر، تسلمت الطواقم الطبية في مجمع ناصر الطبي بخان يونس جثامين 30 شهيدًا كانت قوات الاحتلال تحتجزها، وسلمتها عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليرتفع عدد الجثامين التي أفرج عنها الاحتلال إلى 225 جثمانًا منذ بدء وقف النار.
وبحسب مصادر طبية، بدت على الجثامين آثار تعذيب وضرب مبرح، فيما أُعدم بعض الشهداء ميدانيًا قبل احتجاز جثامينهم، وهو ما أثار صدمة واستنكارًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والإنسانية.
تقرير أميركي سري يكشف: "مئات الانتهاكات الإسرائيلية المحتملة"
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن تقرير سري لهيئة رقابية تابعة للحكومة الأميركية يؤكد أن وحدات عسكرية إسرائيلية ارتكبت مئات الانتهاكات المحتملة لقوانين حقوق الإنسان الأميركية في قطاع غزة.
ويُعدّ هذا التقرير الأول من نوعه الذي يقرّ رسميًا بحجم الانتهاكات الإسرائيلية ضمن ما يُعرف بـ"قوانين ليهي" — التشريع الأميركي الذي يمنع تقديم مساعدات للوحدات العسكرية الأجنبية المتهمة بارتكاب جرائم جسيمة.
ووفق الصحيفة، فإن مراجعة هذه الانتهاكات قد تستغرق سنوات بسبب البيروقراطية داخل وزارة الخارجية الأميركية، مما يثير شكوكًا حول جدّية المحاسبة، في ظل استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل التي تصل إلى 3.8 مليارات دولار سنويًا، بالإضافة إلى عشرات المليارات الإضافية منذ اندلاع الحرب.
ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة لم توقف أي شكل من أشكال الدعم العسكري لإسرائيل رغم الأدلة التي توثق عمليات قتل جماعي وتعذيب وإعدامات ميدانية، من بينها مقتل سبعة عمال من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في أبريل 2024، ومجزرة "شاحنات المساعدات" التي أسفرت عن استشهاد أكثر من 100 فلسطيني.
وقال المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية تشارلز بلاها إن "المساءلة قد تُنسى مع تراجع حدة الصراع"، مؤكدًا أن واشنطن لم تُخضع أي وحدة إسرائيلية لعقوبات رغم توثيق الانتهاكات الواضحة.
خرق ممنهج وصمت دولي
تؤكد الوقائع الميدانية في غزة أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة الخرق الممنهج لاتفاق وقف إطلاق النار، سواء عبر القصف المباشر أو استمرار الحصار ومنع الإغاثة الإنسانية.
وفي المقابل، يواجه المجتمع الدولي انتقادات متزايدة بسبب صمته وتواطؤه إزاء ما يجري، خصوصًا مع التقارير الغربية التي تكشف تواصُل الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل رغم ارتكابها جرائم حرب موثقة.
ويرى مراقبون أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى انهيار تام لاتفاق وقف إطلاق النار، وعودة المشهد في غزة إلى دائرة الدم والدمار، في ظل غياب أي ضمانات دولية حقيقية لحماية المدنيين أو محاسبة المعتدين.

