انطلقت  الأربعاء 4 أغسطس 2025، الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشورى في الداخل المصري، وسط صمت شبه تام لم يسبق له مثيل. المحطات الانتخابية في معظم المناطق ملاقاة فارغة، ولم يقترب أحد منها، في مشهد يعكس عزوفًا كاملًا عن المشاركة.

المواطنون وجدوها مجرد "مسرحية انتخابية" معروفة النتائج، لا تأثير يذكر لها على الواقع السياسي، وازداد الإحساس بأن هذه الانتخابات ليست إلا دعاية شكلية.

 

وراء الكواليس… تأجير سيارات وأمر حضور مفتعل

رغم خلو اللجان من الناخبين، ظهر بشكل مكشوف استخدام ميكروباصات مجهزة لنقل الناس قسريًا إلى اللجان.
وفق مراقبون، فإنه تم توزيع تصريح داخلي للشركات ومنظمات «دعم الدولة»، لأفراد يتم تحميلهم مبالغ مالية تصل إلى 300 جنيه لكل ناخب مقابل المرونة في النقل.
كما أمرت بعض الإدارات المحلية موظفي الحكومة بــ"الحضور الجماعي"، وإلا ستُسجل غيابهم ويُحمّلون عقوبات وظيفية أو غرامات وهمية.

هذا السيناريو يتكرر في كل انتخابات تحت ظل نظام السيسي، حيث تم استخدام وسائل مشابهة في انتخابات 2015، 2020 و2023، بهدف خلق صورة زائفة بـ“نسبة مشاركة مرتفعة” رغم الواقع المعاكس

 

مكبرات المساجد والدعوة للحشد والتصويت

في عدة محافظات، سُمعت مكبرات صوت المساجد تبث خطابًا تحريضيًا ضد «السكوت الشخصي» أو «مقاطعة العملية».
خطب جمعة تلقائية وخطابات وجاهزة تصف من لا يصوّت بأنه خائن للوطن، وتعده بعقوبات وهمية في حال امتنع.
هذا الاستخدام يُعد اختراقًا صريحًا للقانون الذي يمنع أي تأثير ديني أو رسمي على قرارات التصويت الفردية.

 

أرقام تكشف الحقيقة… معدل حضور هو الأدنى

في انتخابات مجلس الشيوخ/الشورى في 2020 مثلاً، بلغت نسبة التصويت حوالي 14.2% في الجولة الأولى، و10.2% في الجولة الثانية، من أصل أكثر 62 مليون ناخب مُسجّل.
هذا الانخفاض المتكرر يعكس عزوفًا حقيقيًا من الشعب المصري عن ما بات يُعد "عرسًا سياسيًا شكليًا

 

غياب المعارضة… وعدم وجود منافسة حقيقية

العشرات من الأحزاب والشخصيات المعروفة أعلنوا مقاطعتهم قبلاً، معتبرين الانتخابات مشهدًا انتقاليًا بلا معنى.
غياب المناظرات الحقيقية، وفرض مرشحين موالين للنظام، جعل الناخب يرى أنه يختار داخل قفص مُجهز من قبل أجهزة الدولة دون تأثير حقيقي.

 

وسائل الإعلام… تسويق وهم المشاركة

الدعاية الرسمية ركّزت على مفردات مثل "الواجب الوطني" و"رسالة مصر للعالم"، بينما تغاضت عن غضب الشارع الحقيقي.
ظهرت تقارير محلية تتحدث عن عدم وجود طوابير ولا تزاحم أمام اللجان، بينما تبنى الإعلام الرسمي كلمة "صفحات اجتماعية شاركت بعض الصور القديمة"، في محاولة لتغطية العزوف الفعلي.

 

انتهاكات انتخابية متكررة… وصمت قضائي

الحكومة لم تكتفِ فقط بحشد وهمي، بل هددت عبر إسقاطات إعلامية بملاحقة "الغيّابين"، حتى إن مواقع محلية نُشِرت قوائم جزئية للغائبين، ووصفت الغياب بـ"عصيان مدني" تتبعه قانونيًا للموظفين الحكوميين.
لكن لا جهة قضائية مستقلة تراجع هذه الانتهاكات، فالنيابة العامة لم تحرك ساكنًا، والبرلمان ينظر دون مساءلة.

 

شهادات المواطنين… غياب قسري بالحوافز والخوف

تحدث بعض الموظفين بعيدا عن الإعلام قائلاً:

"طلبوا منا الحضور وإلا سيتم خصم ربع اليوم من مرتبنا. والله مفيش حد نازل. ده كله تهديد.."

وفي عزمنة ينقلون موظفين من القرى ميكروباص:

"قالوا لنا ده من حق الدولة إن هي تأجر مواصلات لموظفيها. واحنا لو ما نزلناش، يشطبونا من الحضور".

 

السياق العام: انتخاب من دون معنى سياسي

رغم أن الدستور المصري أعاد المجلس كجهة تشريعية عام 2019، إلا أن دوره ظل شكليًا، وربما أقل تأثيرًا من البرلمان ذاته.
الهيئة الوطنية للانتخابات تؤكد أن الانتخابات جرت تحت إشراف قضائي وهي تقنية، لكن الناخب يرى أن كل القرارات الحاسمة تصدر من السلطة التنفيذية دون تأثير لهذه المجالس.

 

الخلاصة: مسرحية من نظام عاجزّ عن الإقناع

انتخابات اليوم انطلقت بلا جمهور لها: اللجان خالية، والشارع غائب.
النظام يلجأ للحشد الأمني والإداري عبر الميكروباصات والمكروفونات، وهجمات معنوية على الناخبين لتخويفهم.
غياب المعارضة الحقيقية وإغلاق المجال السياسي جعلا الصوت الشعبي ينكفئ في البيوت.
لم تراع أي جهة رقابية – سواء قضائية أو نيابية – هذه الانتهاكات، مما يؤكد أن ما يجري مجرد استعراض إعلامي وحشد شكلي.
الناخب المصري لم يعد يملك ما يخسره إن غاب.. وقد قرر أن يسكت احتجاجًا على مسرحية الانتخابات التي لا تعيد له شيئًا.
انتخابات الشورى اليوم هي مثال جديد على انتخابات تحت قمع إعلامي، تهديد رسمي، تدنيس للمبدأ المدني، لكنه مثال لكيف يختار الشعب الهدير بالصمت.