نشر موقع "إيكونومي بلس" تقريرًا عن استحواذ إماراتي على مجمع زراعي خاص في مصر بمساحة تقارب 10 آلاف فدان، تُشرف عليه دولة الإمارات عبر شركات تابعة لصندوق أبوظبي السيادي، ويضم أكثر من مليوني شجرة محاصيل تشمل الفواكه ومشتقات الزيت.
ويُعد هذا ضمن توسع الإمارات في شراء الأراضي الزراعية المصرية، على غرار مشاريع مماثلة في "توشكى" و"شرق العوينات".
لكن القصة تتجاوز مجرد استثمار أجنبي، لتصل إلى مناقشة استراتيجيات الدولة في إدارة الأرض الوطنية والموارد الأساسية، وقدرتها على تحويل هذه الأصول إلى خدمة حقيقية للمجتمع والاقتصاد الوطني.
التوسع الإماراتي في الزراعة المصرية
بحسب "مصفوفة الأرض" ومنصات استقصائية أخرى، استحوذت شركة "جنان" الإماراتية على نحو 150 ألف فدان في مصر، بينما شركة "الظاهرة" الإماراتية تمتلك نحو 119 ألف فدان موزعة بين توشكى والمنيا وشرق العوينات.
ويظهر التقرير أن هناك نية لتمليك إضافي يصل إلى 500 ألف فدان لمشاريع زراعية إماراتية داخل مصر، في صفقات غالبًا ما تتم عبر تأجير طويل الأمد أو عقود "تمليك بخس" بلغت بعض الفدادين بسعر لا يتجاوز 50 جنيهًا فقط، بينما يقدر سعر الفدان في الأسواق المحلية بعشرات الآلاف.
وفي الصفقة المعنية بنتقل ملكية 10 آلاف فدان، نرى نموذجًا مصغرًا لتكرار هذا النمط بإدارة أراضٍ استراتيجية تصدّر جزءًا من الإنتاج للخارج، دون وجود قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد المحلي.
لماذا هذه الصفقة مثيرة للجدل؟
- بيع الأصول الحيوية: تُعد الأرض الزراعية مطلبًا استراتيجيًا للدولة المصرية، ليس فقط اقتصاديًا بل أيضًا غذائيًا.
- غياب الحوكمة الرشيدة: تُقدّم هذه الأراضي بشروط ميسّرة للغاية، بدون ضمانات لتوظيف المصريين أو إعادة الريع المحلي.
- المياه تُباع بالارض: مشاريع الإمارات تعتمد بشكل رئيسي على المياه الجوفية من حوض النوبة، وهو مورد غير متجدد يُهدد الأمن المائي المصري على المدى الطويل.
بعد ثورة يناير، صدر قرار قضائي ببطلان عقود مشابهة باعتبارها إهدارًا للمال العام، إلا أن ملفها أُغلق دون تنفيذ الحكم، مما يعكس ضعفًا في آليات الرقابة والمساءلة.
من الذي يستفيد ومن يُحرم؟
المنتفعون:
- الشركات الإماراتية (مثل الظاهرة وجنان) تجني أرباحًا تصديرًا وعائد استراتيجي من الاستثمار الزراعي.
- قد تستفيد جهات مرتبطة بالحكومة أو الجيش من دخول شريك أجنبي كذريعة لاستكمال الاستثمار.
المتضررون:
- الفلاحون المصريون: لا يحصلون على فوائد من هذه المشاريع، بل يُهملون، ويفقدون أراضيهم الحديثة غالبًا لصالح تلك الشركات.
- الاقتصاد الوطني: رأس المال الأجنبي لا يُدمج فعليًا في الاقتصاد، ولا توجد إضافة حقيقية للناتج المحلي بل يتم تصدير الإنتاج للشريك الإماراتي أو السوق الخارجية.
- الشعب المصري: لا يُدرّ أرباحًا ولا تخلق وظائف كافية، بل على العكس، تزيد من الاعتماد الخارجي على الغذاء واستيراد القمح من شركة خليجية رغم أن قمحنا يُزرع في أرض مصرية.
المأزق السياسي: هل هذه سياسة رشيدة أم تفريط؟
السيادة على الأرض والزراعة هي إحدى ركائز الأمن القومي. لكن منح أراضي استراتيجية بلا رقابة حقيقية يعكس:
سياسة تستمر في تعميق الديون الخارجية بدل خلق الإنتاج الحقيقي.
تضخّم نفوذ صندوق أبوظبي السيادي داخل الاقتصاد المصري، دون شفافية حول شروط العقود.
ضعف في التخطيط الوطني: فلا استراتيجية تُقيّم الأمن الغذائي محليًا أو تحفظ حقوق الفلاحين والصغار المستثمرين.
هذا الاستنزاف العمدي للأصول الوطنية، وفقًا لحقوقيين واقتصاديين، يشكل أحد أبرز الجهات التي تلوث قدرة الدولة على إعادة السيطرة على مواردها واستدامتها المستقبلية.