يرى الكاتب والمؤرخ أسامة مقدسي أن دول ما بعد العثمانية في العالم العربي لم تُنشأ لخدمة شعوبها، بل لتلبية مصالح القوى الغربية الاستعمارية.

ويشير مقدسي في مقتل تشره موقع ميدل إيست آي إلى أنه منذ عام 1918، ومع ترسيخ الهيمنة البريطانية في الشرق الأوسط، أدرك المسؤولون البريطانيون الحاجة لإعادة ترتيب أدوات سيطرتهم بما يتماشى مع عصر "حق تقرير المصير" المزعوم. فظهرت "الواجهة العربية" كأداة استعمارية جديدة، تعتمد على حكام محليين صوريين يلبّون أوامر القوى الإمبريالية.

يشرح الكاتب كيف ساعدت بريطانيا العرب في إسقاط الدولة العثمانية عبر دعم الثورة العربية بقيادة الشريف حسين عام 1916، ووعدت بإقامة مملكة عربية مستقلة، لكنها في الوقت نفسه أبرمت اتفاقية "سايكس بيكو" السرية مع فرنسا لتقسيم الأراضي العربية، ثم أصدرت "وعد بلفور" عام 1917 الذي دعم المشروع الصهيوني في فلسطين.

أرادت بريطانيا طمأنة العرب بعد افتضاح الاتفاقات السرية، فأعلنت هي وفرنسا "إعلان الحلفاء" في نوفمبر 1918، الذي تعهّد بمساعدة الشعوب على تأسيس حكومات وطنية. لكن الواقع كان فرض واجهة عربية تخضع لشروط محددة:

1. القبول بالخضوع للإمبريالية البريطانية
2. ربط مصير الحاكم المحلي بمصالح بريطانيا
3. عدم معارضة الهيمنة البريطانية أو المشروع الصهيوني
4. قمع الشعوب إذا طالبت بتحرير فلسطين
5. منح الاستقلال الشكلي بشرط الالتزام بالنقاط السابقة

كانت الأسرة الهاشمية النموذج المثالي لهذه السياسة، حيث نُصّب فيصل ملكًا على العراق بعد طرده من سوريا، وعبدالله أميرًا على شرق الأردن. كما انطبق الأمر على حكام آخرين مثل ابن سعود في نجد، والملك فؤاد في مصر.

يذكر الكاتب أن الأميركين ورثوا البريطانيين بعد هزيمة 1967، فبدأت مرحلة "الواجهة العربية 2.0". لم يتغير جوهر المعادلة، بل تعزّزت بقيود جديدة أبرزها تدوير العائدات النفطية في الغرب.

الحكام العرب اليوم يستطيعون المناورة في حدود معينة، يطورون دبلوماسيتهم وهويتهم الوطنية، لكن عليهم الالتزام بالأجندة الأميركية، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فحتى في ظل الرفض الشعبي الواسع للاستيطان الإسرائيلي والعدوان على غزة، يواصل هؤلاء الحكام مسايرة السياسات الأميركية، بعضهم من خلال التطبيع، وآخرون عبر الصمت والتواطؤ.

يشير الكاتب إلى أن اتفاقيات مثل "كامب ديفيد"، و"أوسلو"، و"اتفاقيات أبراهام"، تعبّر عن خضوع لا عن استقلال، وتُقدَّم بلبوس "الاعتدال" و"التعايش"، فيما تتمدد إسرائيل على الأرض وتُقمع كل مقاومة.

لكن المقاومة لم تختف. فما يحدث في غزة، ولبنان، واليمن، يعكس رفضًا شعبيًا لهذه المنظومة. في المقابل، ترفض الأنظمة الموالية للغرب هذه المقاومة، وتمنع شعوبها من دعمها، وتحرمهم من الحرية السياسية.

الكاتب يختم بالتأكيد أن "الواجهة العربية" لم تُصمم لتحرير الشعوب، بل لعرقلته، تمامًا كما هو حال الاستعمار. لكنها، كغيرها من الأنظمة المصطنعة، ليست أبدية. وكلما احتاجت هذه الواجهة إلى المزيد من القمع للبقاء، وكلما اشتدت الكراهية الشعبية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، تصبح مسألة بقائها موضع تساؤل متزايد.
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-lebanon-yemen-exposed-cracks-arab-facade