شهدت القاهرة، مساء أمس الاثنين، شللًا واسعًا في خدمات الاتصالات والإنترنت، إثر اندلاع حريق هائل داخل سنترال رمسيس، أحد أهم مراكز البنية التحتية لقطاع الاتصالات في البلاد، الواقع في شارع الجمهورية بمنطقة الأزبكية. ووصفت الأزمة بأنها "غير مسبوقة"، لما خلّفته من تأثيرات امتدت إلى قطاعات حيوية تشمل الإعلام، البنوك، والخدمات الرقمية، وسط غضب شعبي متزايد ومطالبات عاجلة بالتحقيق في مدى جاهزية منظومة السلامة داخل منشآت الاتصالات الحساسة.

 

انقطاع في خدمة الإنترنت

في هذه الأثناء، أكدت شبكة "نت بلوكس"، المهتمة بتتبع حركة الإنترنت حول العالم، أنه "تم تسجيل انقطاع كبير في خدمة الإنترنت في مصر".

وأوضحت "نت بلوكس" أن بيانات الشبكة تظهر أن حجم الاتصالات بلغ نسبة 62% من المستويات العادية، وسط تقارير عن حريق في سنترال رمسيس.

ووفق معلومات من مصادر أمنية، فإن التحقيقات الأولية ترجّح أن الحريق نشب في ثلاثة خزانات مياه داخل مبنى السنترال، ما تسبب في تصاعد كثيف لألسنة اللهب وأعمدة الدخان. وهرعت قوات الحماية المدنية إلى الموقع، حيث دفعت بست سيارات إطفاء في محاولة لتطويق الحريق ومنع امتداده إلى باقي الطوابق، في مبنى يُعد من الأعمدة الرئيسية لشبكات الاتصال الأرضي والرقمي على مستوى الجمهورية، وفقًا لـ"العربي الجديد".

وقال المتحدث باسم وزارة الصحة في حكومة السيسي لرويترز إن 22 شخصًا على الأقل أصيبوا جرّاء حريق نشب الإثنين في مبنى سنترال رمسيس الحيوي بوسط القاهرة.

ونقلت "رويترز" عن المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبد الغفار قوله إن معظم الإصابات ناجمة عن استنشاق الدخان وجرى نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، فيما فرضت الأجهزة الأمنية طوقًا مشددًا في محيط السنترال حفاظًا على أرواح المواطنين.

وواصلت قوات الدفاع المدني جهودها لساعات لاستخراج أي محتجزين في الداخل، بينما عملت الفرق الفنية التابعة للشركة المصرية للاتصالات على فصل التيار الكهربائي بالكامل عن المبنى المتضرر. ورغم السيطرة المبدئية على الحريق، إلا أن تداعياته امتدت بسرعة خاطفة لتشل جزءًا كبيرًا من منظومة الاتصالات في مصر، حيث انقطعت خدمات الهاتف الأرضي والإنترنت الثابت في عدد من المحافظات، لا سيما في الوجهين البحري والقبلي.

 

خلل واسع في الاتصالات الداخلية

وقال مصدر تقني إن الخسائر التقنية الناتجة عن الحريق شملت تعطل بعض "السويتشات" المركزية التي تربط الشبكة الرئيسية بالنقاط الطرفية، ما أدى إلى خلل واسع في الاتصالات الداخلية، وانقطاع الخدمة عن عدد كبير من العملاء، سواء الأفراد أو الشركات. وفي السياق نفسه، أكدت مصادر من داخل بعض القنوات الفضائية الخاصة أن الحريق أدى إلى توقف برامج تليفزيونية شهيرة، من بينها برامج "التوك شو" التي تُبث في توقيت الذروة، وأرجعت السبب إلى تعطل وسائل الاتصال التي يعتمد عليها مقدمو البرامج وفِرق الإعداد للتواصل مع الضيوف والمصادر الرسمية والميدانية، وفقًا لـ"العربي الجديد".

 

تعطل القطاع المصرفي

وامتد أثر الحريق ليصيب البنية التحتية للقطاع المصرفي، حيث اشتكى عملاء عدد من البنوك المصرية من تعطل ماكينات الصراف الآلي (ATM) في مناطق متفرقة، وعدم القدرة على سحب الأموال أو إيداعها، أو حتى استخراج كشوف الحسابات. وهو ما أكدته مصادر مصرفية أوضحت لـ"العربي الجديد" أن بعض الماكينات تعتمد على الربط مع الخوادم المركزية عبر الإنترنت الأرضي، الذي تعطل كليًا أو جزئيًا بسبب الحريق.

 

توقف "إنستاباي" وانهيار سيستم التموين

وتسبب اندلاع الحريق الهائل في عطل تقني خطير أثر على تطبيق "إنستاباي"، منصة الدفع الإلكتروني الشهيرة في مصر، حيث توقفت خدمات تحويل الأموال لدى عدد كبير من المستخدمين بعد دقائق من اندلاع الحريق، كما تأثرت دوائر الإنترنت والصوت في عدة مناطق، مما أدى إلى انقطاع الإنترنت المنزلي في أحياء مثل وسط البلد، شبرا، والدقي، والهرم، وتسبب في اضطراب خدمات الهاتف الأرضي والمكالمات الصوتية في بعض المناطق المرتبطة بالسنترال.

وأدى العطل إلى توقف المعاملات الإلكترونية لدى شريحة واسعة من المواطنين، ما زاد من حدة الأزمة، لا سيما في ظل اعتماد قطاعات كبيرة من المتعاملين على الوسائل الرقمية بديلًا عن الفروع التقليدية. كما أكد عدد من البقالين في محافظات مختلفة أن نظام "سيستم التموين" الخاص بصرف المقررات التموينية انهار بالكامل في أعقاب الحريق، ما تسبب في توقف صرف الحصص التموينية للمواطنين لساعات.

وكالعادة، وفي أول رد رسمي، أصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات بيانًا أكد فيه أن الحريق اندلع في إحدى غرف الأجهزة التابعة للشركة المصرية للاتصالات داخل سنترال رمسيس، ما أدى إلى تعطل مؤقت لبعض خدمات الاتصالات. وأشار الجهاز إلى أن فرق الدفاع المدني والفرق الفنية عملت منذ اللحظة الأولى على السيطرة على الحريق وتقليل تداعياته، لافتًا إلى أنه تم فصل التيار الكهربائي عن السنترال بشكل كامل في إجراء احترازي.

وأوضح الجهاز أنه يجري حاليًا حصر الخدمات كافة والعملاء المتأثرين من توقف الخدمة، متعهدًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعويض جميع المتضررين، زاعمًا أن وزارة الاتصالات تتابع الموقف لحظة بلحظة، بالتنسيق مع الأجهزة المعنية. وذكرت مصادر من داخل الشركة المصرية للاتصالات أن العمل جارٍ على إعادة تشغيل الخدمة تدريجيًا خلال الساعات المقبلة، مشيرة إلى أنه قد تُستكمل بعض الإصلاحات التقنية على مدار يومين أو ثلاثة حسب حجم الأضرار التي طالت تجهيزات السنترال.

 

هشاشة البنية التحتية

الحقيقة التي يجب أن تقف عليها حكومة الانقلاب أن الحريق الذي وقع في منشأة حساسة بهذا الحجم يفتح الباب واسعًا أمام تساؤلات متكررة حول إجراءات السلامة داخل مرافق الاتصالات في مصر، ومدى الجاهزية لمواجهة أزمات مشابهة في المستقبل، خصوصًا مع ازدياد الاعتماد على الوسائل الرقمية والأنظمة الذكية في مختلف مجالات الحياة اليومية. وفيما لم يُعرف بعد السبب الدقيق لاشتعال النيران، أو ما إذا كان الحادث ناجمًا عن ماس كهربائي أو خلل فني داخلي، دعا خبراء في البنية التحتية الرقمية إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للوقوف على أوجه القصور وضمان عدم تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلًا.

في غضون ذلك، ما زالت الحياة الرقمية في مصر تعاني آثار الحريق، وسط وعود جوفاء بسرعة الإصلاح، لكن المواطنين لا يزالون يتنقلون بين ماكينات صرف معطلة، واتصالات مقطوعة، وخدمات إلكترونية غير متاحة، في مشهد يكشف هشاشة بعض جوانب البنية التحتية الرقمية في مصر.