نشر موقع مؤسسة كارنيجي تقريرًا حول ردود فعل دول مجلس التعاون الخليجي على التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، وركّز على اختلاف المسارات الخليجية رغم اتفاقها على تجنّب الانجرار المباشر إلى الصراع.
وأعربت دول الخليج خلال الأسابيع الماضية عن قلقها إزاء الغارات الجوية الإسرائيلية على إيران، وأبدت تحفظها تجاه الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية، وأدانت الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة عسكرية قطرية تستضيف قوات أميركية. ورغم هذه المواقف، اتّبعت كل دولة خليجية مسارًا دبلوماسيًا مختلفًا لتفادي الدخول في المواجهة.
اعتمدت قطر نهج الحياد النشط، وسعت للحفاظ على علاقاتها مع جميع الأطراف عبر تحركات دبلوماسية مكثفة. استمر الأمير تميم بن حمد آل ثاني في لعب دور الوسيط، خصوصًا في المحادثات بين الولايات المتحدة وحماس وإسرائيل بشأن وقف إطلاق النار. ورغم الصدمة التي خلفها استهداف إيران لقاعدة العديد في قطر، حرصت الدوحة على خفض التصعيد، محذّرة من "عواقب كارثية" إذا استمر التصعيد. ورغم تحذير إيران مسبقًا، إلا أن مشهد اعتراض الصواريخ فوق رؤوس السكان أثار الذعر.
أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب سريعًا بجهود قطر، واتّصل مباشرة بالأمير تميم، مطالبًا بمواصلة السعي للسلام. وسرعان ما روّجت قطر لدورها في التهدئة عبر وسائل الإعلام الأميركية، مبرزة وصولها المباشر إلى أعلى مستويات صنع القرار في واشنطن. وبينما تفتقر الدوحة إلى النفوذ الاقتصادي والعسكري الذي يسمح بتأثير أكبر، نجحت في ترسيخ مكانتها كوسيط إقليمي فاعل.
في المقابل، اختارت السعودية مسار الحذر والانفصال عن الصراعات الإقليمية. استخدم ولي العهد محمد بن سلمان منصة مؤتمر الاستثمار للتأثير على السياسات الأميركية تجاه سوريا، دون التورط المباشر في النزاعات الأشد تعقيدًا. ركّزت السعودية على حماية اقتصادها الداخلي، والنأي بنفسها عن الانخراط في الحرب أو الظهور كمتواطئة مع الجرائم الإسرائيلية في غزة.
أدلى بن سلمان بتصريحات قوية أدان فيها "الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل في غزة، لكنه امتنع عن اتخاذ خطوات فعلية قد تزعج واشنطن أو تل أبيب. لم يتلقَ ضغوطًا مباشرة من إدارة ترامب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بخلاف التوقعات المفروضة على القيادة السورية الجديدة، ما سمح للرياض بتأجيل مؤتمر أممي مشترك مع فرنسا حول الدولة الفلسطينية، كان سيضعها في مواجهة مباشرة مع واشنطن.
تعكس هذه المقاربة رغبة سعودية في تبنّي نسخة جديدة من سياسة "صفر مشاكل مع الجيران"، تركّز على التنمية الاقتصادية والتعاون الإقليمي، بما في ذلك العمل مع قطر رغم الخلافات السابقة. دعمت السعودية جهود قطر لإنعاش الاقتصاد السوري، وسعت لجذب الاستثمارات القطرية إلى مشاريع داخل المملكة.
حافظت السعودية أيضًا على تقارب حذر مع إيران منذ الاتفاق الدبلوماسي الذي أُبرم عام 2023. ورغم الصدامات الأخيرة، لم تنهار العلاقات، لكنها بقيت في إطار "سلام بارد". لم تفسر السعودية تباعدها عن إسرائيل بأنه تقارب مع طهران. قدّم كتّاب سعوديون في صحف محلية رؤى تعتبر الصراع كشفًا عن ضعف إيران العسكري، ما يخفّف من تهديدها في نظر بعض الدوائر السعودية. وعبّر بعضهم عن رفضهم للهجمات الإسرائيلية، دون أن يصل ذلك إلى مستوى الدفاع عن إيران.
في خضم هذا المشهد، حرصت السعودية على تجنّب الاصطفاف الكامل، وركّزت على الحفاظ على الأمن الخليجي. لخّص الكاتب مشاري الذّيدي هذا الموقف بقوله إن "شعوب الخليج لا شأن لها بالمعركة بين طهران وواشنطن وتل أبيب، سوى إطفاء نار الحرب دون المساس بأمن الخليج".
في الإمارات والبحرين وعمان، عبّر كتّاب عن رفضهم لاستخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية في إيران، مع دعم ملحوظ لحلول دبلوماسية. ومع أن الرياض أبدت انفتاحًا على الحوار مستقبلاً، لم يظهر أن دول الخليج مستعدة لاتخاذ خطوات تتجاوز فتح الباب أمام التفاوض وتقديم محفزات اقتصادية محتملة في حال حدوث تسوية دبلوماسية.
باختصار، سعت كل دولة خليجية لحماية مصالحها وسط التصعيد الإقليمي، فاختارت قطر دور الوسيط الفاعل، بينما فضّلت السعودية سياسة النأي الهادئ مع حضور انتقائي في المشهد الدبلوماسي. وبينما يبقى الخليج في قلب الجغرافيا، تحاول دوله بكل السبل تجنّب أن تكون في قلب النار.
https://carnegieendowment.org/emissary/2025/07/gulf-qatar-saudi-iran-responses-diplomacy?lang=en