نُشرت هذه المقالة في صحيفة الجارديان البريطانية، وكتبها مصطفى بيومي، حيث سلّط الضوء على الحرب الإسرائيلية على غزة بوصفها أزمة لا تهدّد الفلسطينيين فقط، بل تزعزع أسس النظام العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية.
في جامعة كومنولث بفيرجينيا، أكملت الطالبة الفلسطينية الأمريكية سيرين حداد دراستها في علم النفس خلال ثلاث سنوات بتقدير امتياز، لكن الجامعة حجبت شهادتها. لم تُعاقب حداد بسبب تقصير أكاديمي، بل بسبب نشاطها السلمي دفاعًا عن القضية الفلسطينية. شاركت سيرين في نزهة طلابية هادئة، جرت على العشب ببطانيات كتب عليها شعارات سياسية، تخليدًا لذكرى تفكيك مخيم تضامني أقيم في نفس المكان قبل عام. تدخلت الإدارة ووصفت الحدث بأنه فعالية منظمة غير مرخصة، رغم طبيعته الهادئة.
رفض الطلاب المغادرة إلى "منطقة حرية التعبير" المنعزلة، فجاءت الشرطة وهدّدت بالاعتقال. بعد إزاحة البطانيات، رُفع شعار "فلسطين حرة!"، فأُلقي القبض على أحدهم. لاحقًا، أُخطرت سيرين وطالب آخر بأن شهاداتهما لن تُسلّم بسبب مشاركتهما في هذا "الخرق".
رأت سيرين أن المؤسسة الجامعية، مثل غيرها من المؤسسات الأمريكية، تخشى من كشف علاقاتها بمصنّعي السلاح والداعمين الماليين، لذلك تُعيد صياغة القواعد لتسكت الأصوات المعارضة.
هذا النموذج لا يقتصر على جامعة واحدة. في جامعة هارفارد، أوقف عشرات الطلاب وأساتذة لمجرد قراءتهم بصمت داخل مكتبة وهم يحملون لافتات تؤيد حرية التعبير أو تنتقد الحرب. تكررت هذه الأمثلة في جامعات أخرى، ما يكشف ازدواجية صارخة. لو وجّهت تلك الاحتجاجات نحو روسيا، لأثني على أصحابها.
لكن فلسطين تظل استثناءً. في الغرب، يُنظر إلى إنشاء إسرائيل كتحقيق لتطلعات اليهود القومية، بينما يرى آخرون أن ذلك حرم الفلسطينيين من حقهم في التحرر. تعتبر فلسطين آخر منطقة في العالم لم تُستكمل عملية إنهاء استعمارها، رغم تأسيس الأمم المتحدة عام 1945 بهدف إنهاء الاستعمار عالميًا.
سلّط التقرير الضوء على خضوع القوانين الدولية لإرادة الأقوياء. أظهر كيف تجاهلت إدارة بايدن تقارير وكالاتها الخاصة التي أكّدت منع إسرائيل دخول الغذاء والدواء لغزة، وهو ما يخالف قانون المساعدات الخارجية الأمريكي. ورغم الحديث عن "خطوط حمراء" بشأن غزو رفح أو استخدام التجويع، استمر تدفق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل. وحتى عندما بدا أن واشنطن قد تعاقب وحدة "نتساح يهودا" الإسرائيلية، تراجعت عن القرار.
علّق باحثون بأن القوانين الدولية تُستخدم غالبًا لتبرير أفعال الدول الكبرى لا لضبطها. القانون، في جوهره، أداة سياسية بيد الأقوياء. فعند احتكار تعريف "الدفاع عن النفس"، تُشرعن الحروب، وتُبرّر الإبادات.
ومع كل تجاوز يُقابل بالصمت، يُعاد رسم حدود المقبول، ويغدو ما كان يُعدّ فظاعة، أمرًا اعتياديًا. القتل الجماعي، التهجير، والتجويع باتت سياسات يومية لا تثير غضب العالم. يزداد الخوف من لحظة يُصبح فيها ارتكاب الإبادة الجماعية سلوكًا "قانونيًا" ببساطة لأن أحدًا لا يردعه.
يحذّر الكاتب من أن هذا الانهيار لا يُهدد فقط فلسطين، بل يهدم مفهوم "النظام الدولي القائم على القواعد". وعندما تُستخدم القوانين لتبرير الوحشية، لا لحمايتنا منها، فعلى العالم أن يعيد النظر في معنى العدالة، وحدودها.
https://www.theguardian.com/us-news/ng-interactive/2025/jul/06/destruction-of-palestine-is-breaking-the-world