كتبت تقوى أحمد الواوي في ميدل إيست آي مقالة مؤثرة عن الحرب على غزة، ووجع الفقد الذي يرافق من كان يومًا مليئًا بالأصدقاء، وكيف يتحول القلب إلى دفتر أسماء لا تُنسى.

كانت الكاتبة تعتبر نفسها اجتماعية، تحب الناس وتجد سهولة في التقرّب منهم. كانت "البنت المرحة"، صاحبة الابتسامة الدائمة، وراحتها للغرباء. اعتقدت أن هذا حب ونعمة، لكنها أدركت لاحقًا أنه في زمن الحرب، يصبح القلب المفتوح جرحًا لا يلتئم.

في الحرب، تتسع دوائر الفقد كلما زاد عدد الأحبة. ومع كل من يرحل، تأخذ الحرب جزءًا جديدًا من الروح.

تقول: "لم أعد أعد الأيام، بل أعد الأسماء. لم أعد أحتفل بالمناسبات، بل أدوّن ما فاتني منها. أسير في الذكريات، أتنفس الحنين بدل الهواء، وأحمل وجوه أصدقائي كرموز مقدسة لا يمسها الزمن."

لم تفقد أصدقاء فقط، بل فقدت أجزاء من نفسها معهم: ضحكات لم تكتمل، أحلام لم تُعاش، ومستقبل لم يأتِ. الأسوأ، أن القلب لا يزال يفتح أبوابه للآخرين، رغم علمه أن كل لقاء قد يكون الأخير.

صور الأصدقاء تحولت إلى لقطات صامتة، وأصواتهم إلى نسائم باردة، تحكي قصصًا ناقصة.

تقول: "الحقيقة التي تبقى: حين نفقد أصدقاءنا، نفقد النسخة من أنفسنا التي لم تكن موجودة إلا معهم."

 

شيماء صيدم - 15 أكتوبر 2023 - 19عامًا

شيماء لم تكن مجرد طالبة ذكية، بل كانت نورًا خالصًا. حازت المركز الأول على فلسطين في الثانوية العامة، لكنها كانت أعمق من درجاتها. درَسَتا معًا، حفظتا القرآن جنبًا إلى جنب، وتشاركتا الحلم والطريق. تقول تقوى: "كلما أردت الاستسلام، أُهمس باسمها وأمضي."

 

رغد النعمي - 16 أكتوبر 2023 - 19 عامًا

رغد كانت صامتة، تكلّمها عيناها وابتسامتها. كانت مثل كتاب نادر، يُقرأ ببطء. في لحظات الامتحان، كانت سكونها يبعث طمأنينة. كانت جزءًا من الثلاثي: شيماء، رغد، وتقوى. رحلت، وتركت فراغًا لا يُملأ.

 

لينا الحور - 27 أكتوبر 2023 - 19 عامًا

تعرفت إليها في الإعدادية، وتشاركتا الضحك، كأنهما تعرفان أن تلك اللحظات قصيرة. في حفل التخرّج، وقفت بجانب صديقتها المقربة سجود، بابتسامتها المعتادة. لكن المستقبل لم يأتِ. لا تزال دعوات سجود على الإنترنت تُشعر تقوى أن لينا تحرسها من السماء.

 

ميّار جودة - 31 أكتوبر 2023 - 18 عامًا

كانت ميّار أصغر بسنة، لكنها كانت تملك حكمة تفوق عمرها. تعرّفت إليها في برلمان الطلبة. صوتها كان شعرًا، وحديثها أملًا. كانت تحلم بأن تصبح جرّاحة. ماتت قبل أن تبدأ عامها الأخير في المدرسة.

 

أسماء جودة - 24 مايو 2025 - 21 عامًا

ليست مجرد زميلة من المدرسة، بل رفيقة حلم وحافظة للقرآن. فازت مع مريم في مسابقات كثيرة. كانت مثل النور، تحبها كل من تعرفها. جلست قرب صديقة تقوى المقرّبة، آية، طوال السنة الأخيرة، وكانت صوتها لا يُنسى.

 

الذاكرة مقاومة

تقول الكاتبة: "كلّهن قُتلن بغارات الاحتلال الإسرائيلي. بعضهن قُصفن في بيوتهن، وأخريات في مراكز النزوح. لم أُمنح فرصة الوداع، لم أتمكن من أن أقول لهن وداعًا يليق بهن."

لذا تكتب. لأن التذكر مقاومة. لأن الغياب ثقيل، والسكوت يجرح، والذكريات تفضح القهر.

الفقد لا يعني فقط فقدان شخص، بل فقدان لغة لا يفهمها أحد سواك وسواه. الصديق يرى ما لا يُرى، ويسمع نبضك حتى في صمتك. هو مرآتك، وعندما تنكسر، تُكسَر معها أنت.

تختم تقوى: "أكتب كي تظل أسماؤهن مضيئة. كي يعرف العالم أنهن كُنّ هنا، ضحكن، وحلمن، وسرن إلى جانبي. وهن لا يزلن يمشين في داخلي. كنت أرى في اجتماعيتي نعمة، والآن أحملها كندبة. لكنني لن أتوقف عن منح قلبي، ولن أتوقف عن التذكر. لم يكنّ مجرد صديقات، كنّ فصولًا من حياتي. وأسماؤهن تستحق أن تُروى... إلى الأبد."


https://www.middleeasteye.net/opinion/war-gaza-when-friends-become-names-you-whisper-sky