أثار المحامي مختار نوح، القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين والعضو السابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، موجةً من الغضب والجدل بعد تصريحات متلفزة اتهم فيها جماعة الإخوان باستخدام "زيت السيارات" لإحداث حوادث طرق في مصر، في محاولة منهم -حسب قوله- لبث الفوضى والتشويش على إنجازات الدولة.

التصريح الذي جاء عبر مداخلة هاتفية مع برنامج تلفزيوني، قابله سيل من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره كثيرون دليلاً على محاولات يائسة لتبرئة وزارة النقل من سلسلة حوادث الطرق القاتلة التي شهدتها البلاد مؤخراً.

قال مختار نوح في مداخلته بتاريخ 4 يوليو 2025: "جماعة الإخوان تلجأ لوسائل خبيثة في معركتها ضد الدولة، من بينها إلقاء زيت على الطرق لإحداث حوادث مرورية، بهدف إثارة الرأي العام ضد الحكومة، وتحديدًا وزير النقل."

وأضاف أن الجماعة “ما زالت تنشط في الخفاء وتستخدم أساليب الحرب النفسية والإرهاب اللوجستي”، إلا أن تصريحاته لم تجد صدىً لدى المتابعين، بل فجّرت عاصفة من السخرية والغضب على منصات التواصل الاجتماعي.

الناشط السياسي خالد داود علّق قائلًا: "هذا مستوى خطير من العبث والتزييف، بدلًا من محاسبة المسؤولين عن الأرواح التي تُزهق يوميًا على الطرق، يتم اختراع روايات لا يمكن تصديقها حتى في روايات الخيال العلمي."

فيما قال الكاتب الصحفي جمال الجمل: "هل عاد الزمن بنا إلى خطاب ما قبل 2013؟ محاولة اختراع شماعات للإخوان في كل أزمة صارت مفضوحة ومكررة، ولا تعفي السلطة من مسؤوليتها أمام الشعب."

ولم تقتصر الانتقادات على المعارضين، بل عبّر بعض أنصار النظام عن ضيقهم من هذا الخطاب، واعتبروه إساءة لذكاء المواطن المصري ومحاولة لتغطية الإهمال الحكومي.

جاءت تصريحات نوح بعد أيام قليلة من حادث مأساوي وقع على طريق الكريمات - بني سويف في 30 يونيو 2025، وأسفر عن مصرع 17 شخصًا وإصابة 23 آخرين، نتيجة اصطدام ميكروباص بشاحنة نقل مواد بناء. وسبق هذا الحادث بفترة وجيزة وقوع حادث آخر على طريق المنيا – الصحراوي أدى إلى مصرع 11 شخصاً.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر سجلت خلال عام 2023 وحده 7,437 حادث طريق، أسفرت عن 2,497 حالة وفاة، وقرابة 9,000 مصاب، بزيادة ملحوظة عن عام 2022 الذي سجل 6,164 حادثًا.

 

تصريحات سياسية.. بين التحذير والتشكيك

مختار نوح واصل التأكيد على وجود "مخطط معلوم للكافة" وضعته قوى خارجية بالتعاون مع الإخوان لإضعاف الدولة من خلال الشائعات والصور الكاذبة والخداع التقني، معتبراً أن "إشعال الفتنة العربية" هدف جديد يسعى إليه التنظيم.

سياسيون وإعلاميون طالبوا بضرورة تقديم أدلة ملموسة قبل إطلاق مثل هذه الاتهامات، محذرين من خطورة تحويل الخلاف السياسي إلى اتهامات جنائية دون سند قانوني أو تقارير أمنية رسمية.

 

الأبعاد الاجتماعية والإعلامية

  • تأثير التصريحات: ساهمت تصريحات نوح في زيادة حدة الاستقطاب السياسي والإعلامي، حيث اعتبرها البعض محاولة لصرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية وراء حوادث الطرق، مثل ضعف البنية التحتية أو الإهمال الإداري.
  • تكرار الاتهامات: يشير مراقبون إلى أن تحميل الإخوان مسؤولية كل أزمة أصبح نمطاً متكرراً في الخطاب السياسي، ما يضعف من مصداقية الاتهامات مع مرور الوقت في غياب الأدلة.

المطالبات بإقالة وزير النقل كامل الوزير تصاعدت بعد تكرار الحوادث، وسط اتهامات بالتقصير في تطوير شبكات الطرق القديمة، وعدم وجود صيانة حقيقية للبنية التحتية أو رقابة فعالة على السائقين وشركات النقل، بينما تؤكد وزارة النقل من جهتها أن الدولة نفذت مشروعات كبرى في قطاع الطرق والكباري، مشيرة إلى "انخفاض نسبي في نسب الوفيات مقارنة بما قبل 2014".

لكن ناشطين على مواقع التواصل شككوا في هذه الإحصائيات، مشيرين إلى أن "الطرق الجديدة التي تفتتح لا تحل أزمة الفوضى المرورية أو سوء الرقابة أو التدريب".

حتى الآن، لم تعلن وزارة الداخلية أو النيابة العامة أو هيئة الطرق والكباري عن تسجيل أي حادث مروري واحد ناتج عن "إلقاء زيت على الطريق"، سواء خلال السنوات الماضية أو مؤخرًا. كما لم يصدر أي بيان رسمي يؤيد أو يدعم تصريحات مختار نوح.

واعتبر المحامي نجاد البرعي أن هذه التصريحات قد ترقى إلى "نشر أخبار كاذبة" إذا لم يتم تقديم أدلة مادية، مضيفًا: "في ظل دولة قانون، لا بد من محاسبة كل من يطلق اتهامات غير موثقة قد تضلل الرأي العام أو تعرقل التحقيقات."

وصف محللون سياسيون تصريحات نوح بأنها جزء من "خطاب الهروب إلى الأمام"، الذي يتكرر في كل أزمة تواجه نظام الانقلاب، حيث يتم تحميل أطراف خارجية أو داخلية المسؤولية لتجنب المواجهة مع الحقائق، وهي منهجية وصفها مراقبون بأنها أصبحت "مستهلكة وفاقدة للمصداقية".

وقال المحلل السياسي عصام حجي عبر صفحته على "إكس": "كيف يمكن لدولة تطمح أن تقود الإقليم أن تبرر فشلها في إدارة الطرق بحجج مثل الزيت والإخوان؟ هذا تراجع في مستوى الخطاب العام ويعكس عمق الأزمة."

تصريحات مختار نوح الأخيرة لم تكن مجرد رأي شخصي، بل تسببت في موجة استياء شعبي وإعلامي عارمة، أعادت تسليط الضوء على الأزمة المستمرة في قطاع النقل بمصر، وعلى استخدام الخطاب الإعلامي الرسمي والموالي للسلطة لمحاولة صرف الأنظار عن التقصير الإداري، وبينما لا تزال الحوادث تحصد أرواح المواطنين على الطرق، يبدو أن الأولوية لدى بعض الأصوات السياسية هي حماية المسؤولين، لا حماية الناس.

وبات السؤال الأبرز الآن: كم من الضحايا نحتاج كي نعترف بأن المشكلة ليست في الزيت، بل في الإدارة؟