في خطوة تؤكد إصرار قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي على استخدام القضاء كأداة للبطش بالخصوم السياسيين وتصفيتهم اقتصادياً، أصدر السيسي القرار رقم 732 لسنة 2025 بتجديد ندب عدد من قضاة محاكم الاستئناف لرئاسة وعضوية ما يسمى بـ"لجنة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين".

 

هذا القرار، الذي يبدأ سريانه في الأول من أكتوبر 2025، يمدد عمل لجنة استثنائية أثارت منذ تشكيلها بموجب القانون رقم 22 لسنة 2018 انتقادات حقوقية وقانونية واسعة، باعتبارها التفافاً صريحاً على الدستور وشرعنة لـ"سرقة" ممتلكات المعارضين دون أحكام قضائية نهائية.

 

"سيف مسلط" بلا رقابة: قانون 2018 وعسكرة العدالة

 

تستند اللجنة في عملها إلى قانون "التحفظ" سيئ السمعة، الذي منح مجموعة من القضاة المنتدبين سلطات واسعة تصل إلى مصادرة الأموال ونقلها للخزانة العامة، في إجراء يصفه قانونيون بأنه "تأميم مقنع".

 

المحامي الحقوقي خالد علي سبق أن وصف سلطات هذه اللجنة بأنها "شديدة الاتساع" وتُخل بمبادئ المحاكمة العادلة، حيث تصدر قراراتها في "الغرف المغلقة" دون سماع المتهمين أو دفاعهم، مما يضرب عرض الحائط بمبدأي المواجهة والمساواة. هذا النهج يحول القضاء من حصن للحقوق إلى "ترس" في آلة القمع الأمنية، حيث تصبح الملكية الخاصة مستباحة بمجرد "تحريات أمنية" لا تخضع لأي تدقيق قضائي حقيقي.

 

انتهاك دستوري وفضيحة قانونية

 

الانتقادات لهذه اللجنة لم تتوقف عند الحقوقيين الدوليين، بل جاءت من قلب المجتمع القانوني المصري. خالد علي، الذي خاض معارك قضائية ضد قرارات اللجنة، اعتبر في تصريحات سابقة أن السماح بالطعن أمام المحكمة الدستورية على قانون 2018 كان "بارقة أمل"، لكن تجديد عمل اللجنة اليوم يغلق هذا الباب مجدداً ويؤكد نية النظام المضي في سياسة "التنكيل المالي".

 

من جانبه، وصف المحامي نجاد البرعي إجراءات الدولة في هذا الملف بأنها تعبر عن "رغبة في إنهاء ملف أموال الإخوان وضمها للخزينة بأسرع وقت"، مشيراً إلى أن هذه التشريعات الاستثنائية لا تنجي أحداً ولا تحسن صورة مصر الحقوقية أمام العالم، بل تكرس واقع "الدولة البوليسية" التي تدوس على الدستور والقانون.

 

مصادرة بلا حكم: حين يصبح "الاشتباه" سند الملكية

 

الوجه الأخطر لعمل هذه اللجنة هو استنادها إلى "معلومات أمنية" لإصدار قرارات تمس جوهر الحق في الملكية، دون انتظار أحكام قضائية باتة، وهو ما يخالف صريح المادة 33 و35 من الدستور المصري التي تحمي الملكية الخاصة وتمنع فرض الحراسة عليها إلا بحكم قضائي.

 

التقارير تشير إلى أن اللجنة تحفظت على أموال مئات الأشخاص والشركات والجمعيات الأهلية والمدارس، في حملة ممنهجة لتجفيف منابع العمل الأهلي والخيري المستقل، وتحويل هذه الأصول إلى "غنائم حرب" للنظام. ما يحدث ليس "مكافحة إرهاب"، بل هو "إرهاب دولة" يستخدم القانون لنهب الثروات وتركيع الخصوم، في ظل صمت مطبق من المؤسسات التي يفترض بها حماية العدالة.