في لحظة فارقة من التاريخ، حيث اختلط الدم بالحقيقة، والوجع بالوعي، خرجت هيلاري موريس، الأمريكية ذات الخمسة والخمسين عامًا، عن صمتها لتروي قصة تحوّلها الروحي والسياسي، بعد أن هزتها أحداث السابع من أكتوبر 2023. لم يكن اعتناقها للإسلام مجرد قرار شخصي، بل كان صرخة ضمير في وجه السرديات الجاهزة، وتمرّدًا على الروايات الإعلامية التي لطالما صاغت الوعي الأمريكي بمعايير القوة لا العدالة، وبمنطق المصالح لا الإنسانية.
قالت هيلاري، في حديثها للجزيرة مباشر، إن القرآن كان نافذتها إلى عالم آخر، عالم لا يُقاس بالأرقام ولا يُختزل في تقارير أمنية، بل يُقرأ في عيون الأطفال تحت الركام، وفي صبر الأمهات على أبواب المستشفيات، وفي دعاء العالقين بين السماء والأرض في غزة. وجدت في آياته ما لم تجده في عناوين الصحف، وما غاب عن شاشات الأخبار: وجهًا للحق لا يُشوَّه، وصوتًا للضعفاء لا يُقمع.
تحوّلها لم يكن هروبًا من واقع، بل مواجهة له. مواجهةٌ دفعتها إلى إعادة النظر في كل ما قيل لها عن الشرق الأوسط، عن فلسطين، عن المقاومة، عن المعنى الحقيقي للحرية. في زمنٍ تتكالب فيه القوى على طمس الحقيقة، اختارت هيلاري أن تصغي لصوت الضحية، لا لصدى القوة. أن تؤمن بأن العدالة لا تُصاغ في غرف السياسة، بل تُولد من رحم المعاناة، كما تولد غزة كل يوم من تحت الأنقاض.
هل ترغب أن أواصل هذه النبرة في صياغة قصص مشابهة؟ أم تود اقتراحات لعناوين تحريرية تحمل هذا الروح؟
"سقطت الغشاوة عن عيني".. أمريكية تعتنق الإسلام بعد تأثرها بإيمان الفلسطينيين في قطاع #غزة#الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/hOXsPYiMcB
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) September 27, 2025
من قاعات المحاضرات إلى محراب الروح
تسرد هيلاري موريس، العاملة في مجال الرعاية الصحية، فصلًا خفيًا من رحلتها نحو النور. لم يكن لقاؤها الأول بالقرآن وليد أزمة أو رد فعل سياسي، بل جاء في سياق أكاديمي بحت، حين جلست على مقاعد الدراسة الجامعية تحضر دورة عن الأديان في العالم. هناك، وسط سرديات العقائد وتاريخ الإيمان، وقفت أمام شهادة التوحيد لأول مرة، فاهتزّ شيء في أعماقها، كما لو أن الكلمات كانت تعرف طريقها إلى قلبها قبل أن تنطق بها.
تقول هيلاري: "المرة الأولى التي قرأت فيها القرآن الكريم كانت في الكلية، أثناء دورة عن الأديان في العالم. في ذلك الوقت، تعلمت أن لا إله إلا الله، وإلى الأبد. وعلى مدى السنوات الخمس والعشرين التالية، كنت أرددها لنفسي كلما شعرت بالقلق أو الانزعاج". كانت تلك العبارة، البسيطة في ظاهرها، العميقة في جوهرها، بمثابة مرساة روحية وسط اضطرابات الحياة، تهمس لها بالسكينة حين يعلو ضجيج العالم.
لم تكن تلك الكلمات مجرد ترديد، بل كانت بذرة زرعت في وجدانها، نمت بصمت على مدى ربع قرن، حتى جاء يوم السابع من أكتوبر 2023، فانفجرت الحقيقة دفعة واحدة، وتحوّلت العبارة إلى يقين، والاطمئنان إلى إيمان، والبحث الأكاديمي إلى انتماء روحي وسياسي. في زمن تتكالب فيه الروايات، اختارت هيلاري أن تصدّق ما شعرت به منذ أول لقاء، لا ما قيل لها على الشاشات.
هل ترغب أن أواصل هذا الأسلوب في صياغة بقية القصة؟ أم تود أن أقدّم اقتراحات لعناوين تحريرية أو افتتاحيات تحمل هذا النفس؟
من بين أنقاض البيوت المهدّمة في غزة
ومن تحت دخان القصف الذي غطّى سماءها، ولدت في قلب هيلاري موريس لحظة وعي لم تكن تتوقعها. لم تكن مشاهد الدمار مجرد صور عابرة على شاشة هاتفها، بل كانت نداءً داخليًا، دعوةً إلى فهم أعمق، إلى إعادة النظر في كل ما ظنّت أنها تعرفه عن الإيمان، عن فلسطين، عن الإنسان.
تقول هيلاري، وقد غمرتها مشاعر التحوّل: "لم يكن الأمر كذلك إلا بعد أحداث السابع من أكتوبر، عندما أظهرت وسائل التواصل الاجتماعي تعرض الشعب الفلسطيني للقصف وتدمير منازلهم، حينها أدركت أنني يجب أن أفهم المزيد عن هذا الإيمان". لم تكن الكلمات التي قرأتها في القرآن قبل سنوات سوى بذور، وجدت تربتها في وجع غزة، وسُقيت بدموع الأمهات، وصبر الآباء، وابتسامات الأطفال تحت الركام.
أدركت، كما تقول، أن الإيمان ليس ترفًا روحيًا، ولا عزاءً فرديًا، بل هو الحصن الأخير حين تنهار كل الحصون، والملاذ حين تُغلق الأبواب، والنبض الذي يبقي الإنسان واقفًا حين يسقط كل شيء من حوله. "بالنسبة للشعب الفلسطيني، كان ذلك كافيًا"، تقولها هيلاري بإجلال، وكأنها وجدت في صمودهم ما لم تجده في كتب السياسة ولا في تقارير الإعلام.
وبعد شهرين من التأمل، من القراءة، من الإصغاء لصوت الضمير، نطقت بالشهادة، لا كمجرد إعلان، بل كتحوّل وجودي، كاستجابة لنداء الحقيقة الذي جاءها من غزة، من تحت القصف، من بين الركام.
لحظة انكشاف مؤلمة
تروي هيلاري موريس كيف سقطت الأقنعة عن وجه الرواية الغربية، وكيف تهاوت أمامها الصور النمطية التي طالما تلقتها عن الإسلام وفلسطين، عبر منظومة إعلامية وتعليمية أمريكية صاغت وعي الأجيال بمنطق الهيمنة لا الحقيقة. لم يكن اكتشافها للحقيقة وليد صدفة، بل ثمرة بحثٍ مضنٍ، دفعها إليه الألم الفلسطيني الذي رأته عاريًا من كل تزويق، على شاشات وسائل التواصل الاجتماعي، لا عبر عدسات المؤسسات الرسمية.
تقول هيلاري، وقد انكشفت لها خيوط التزييف: "بينما بدأت أتعلم المزيد عن التاريخ الفلسطيني، سقطت الغشاوة عن عيني، وأدركت مدى الكذب الذي تعرضت له من قبل المدارس ووسائل الإعلام وكل مؤسسة تقريبًا تشكل الطريقة التي يرى بها الأمريكيون العالم". كانت تلك لحظة سقوط الرواية، وانبعاث الوعي، حين أدركت أن ما قيل لها عن فلسطين لم يكن سوى سردية مفرغة من الإنسانية، وأن الإسلام، الذي صُوّر لها كتهديد، كان في جوهره ملاذًا للكرامة، ورافعةً للمقاومة.
لم يكن اعتناقها للإسلام، كما تقول، مجرد اختيار روحي، بل فعلٌ مزدوج: إيمانٌ يقودها إلى الله، ومقاومةٌ تقودها إلى الحقيقة. "عمل إيماني وعمل مقاومة في الوقت نفسه"، هكذا تصفه، وكأنها أرادت أن تقول إن الإيمان في زمن القهر هو موقف، وإن الانتماء إلى الحق هو تحدٍ في وجه الباطل، وإن الشهادة التي نطقتها كانت أيضًا شهادة على زيفٍ استمر طويلًا.
سهام الوعي عن الإسلام والمرأة
في نقد جريء يكشف عن عمق التحول الذي عاشته، وجّهت هيلاري موريس سهام الوعي إلى الصورة النمطية التي يرسمها الغرب عن المرأة المسلمة، تلك الصورة التي تتقن الليبرالية الغربية تسويقها بوصفها "منقذًا عظيمًا" للمضطهدين، بينما تغض الطرف عن صوت المرأة المسلمة نفسها، وعن جوهر ما يعلّمه الإسلام من كرامة وعدالة.
قالت هيلاري، وقد تخلّت عن حياد المتفرج لتصبح شاهدة على زيفٍ متجذّر: "تحب الليبرالية الغربية أن تصور نفسها كمنقذ عظيم للمضطهدين، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بالنساء المسلمات، لكنهم في الحقيقة لا يكلفون أنفسهم عناء الاستماع إلى ما تقوله النساء المسلمات فعليًا، أو ما يعلمنا إياه الإسلام عن العدالة والكرامة". في كلماتها، إدانة مزدوجة: للخطاب الذي يدّعي التحرير وهو لا يسمع، ولمنظومة ترى المرأة المسلمة من خلال عدسة الاستعلاء، لا من خلال تجربتها الذاتية.
وتضيف، وقد وجدت في الإسلام ما لم تجده في شعارات التحرر المستوردة: "ما تعلمته من الإسلام هو أن العدالة الحقيقية والتحرير لا يأتيان من الخارج، بل يأتيان من الداخل، ويأتيان من الكرامة واحترام الذات التي يعلمنا إياها الإسلام كمسلمين". لم يكن حديثها تنظيرًا، بل شهادة من قلب التجربة، من امرأة كانت يومًا جزءًا من تلك المنظومة، ثم اختارت أن تصغي، أن تفهم، أن تعتنق ما رأت فيه كرامة لا تُمنح، بل تُستحق.
التزام ميداني وعمل مقاومة
في مشهد يختلط فيه الإيمان بالفعل، والوعي بالموقف، تروي هيلاري موريس كيف تحوّل إسلامها إلى التزام ميداني، وإلى تضامن حيّ مع شعب غزة الذي ألهم يقظتها الروحية والسياسية. لم تكتفِ بالتحوّل الداخلي، بل خرجت إلى الشارع، إلى ساحات الاحتجاج، إلى حملات التبرع، لتجعل من إيمانها جسرًا نحو الفعل، ومن تعاطفها مع فلسطين صوتًا لا يُسكت.
تقول هيلاري، وقد اختارت أن تكون شاهدة لا متفرجة: "أشارك في جهود جمع التبرعات للعائلات النازحة بسبب الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، وأذهب إلى المظاهرات كلما أمكنني ذلك، حتى لو كان ذلك يعني الوقوف تحت المطر حاملة لافتة بمفردي". في كلماتها، تتجلى صورة الإنسان الذي قرر أن لا يكتفي بالنداء الداخلي، بل أن يترجمه إلى وقفة، إلى لافتة، إلى قطرة مطر لا تخيفه، بل تطهره من صمت العالم.
هكذا تصبح هيلاري، في قصتها، نموذجًا لتحوّل يتجاوز الذات، ليصبح انحيازًا للحق، ومشاركة في الألم، ورفضًا للخذلان. لم يكن إسلامها انسحابًا من العالم، بل دخولًا إليه من باب الكرامة، ومن نافذة غزة التي فتحت لها عيون القلب قبل عيون العقل.