لم يعد تهجير المواطنين من أراضيهم في مصر مجرد سياسة حكومية مستمرة، بل دخل مرحلة جديدة وأكثر خطورة ووقاحة في منطقة "علم الروم" بمحافظة مطروح.
ما يحدث هناك ليس تكراراً لمآسي جزيرة الوراق أو رأس الحكمة، بل هو تطور مخيف؛ حيث قامت الدولة ببيع الأرض أولاً إلى مستثمر أجنبي، ثم تحركت بقواتها الأمنية لـ"تطهيرها" من سكانها بالقوة، في سابقة تحوّل فيها جهاز الدولة من صانع قرار إلى مجرد أداة لتنفيذ صفقات البيع على حساب مواطنيه الذين يعيشون على هذه الأرض منذ أكثر من 150 عاماً.
https://www.facebook.com/reel/1490644242148871
البيع أولاً.. والإخلاء بالقوة لاحقاً
الجديد في أزمة علم الروم هو أن الدولة لم تعد تتذرع حتى بـ"خطط التطوير" أو "المصلحة العامة" كغطاء لأفعالها.
فقد تم بيع الأرض، البالغة مساحتها 4900 فدان، بشكل مباشر لشركة "الديار" القطرية في صفقة استثمارية ضخمة.
وما أن تم توقيع العقد، حتى تحولت الحكومة إلى ما يشبه شركة أمن خاصة تعمل لصالح المالك الجديد.
بدأت جرافات الهدم، مدعومة بقوات الأمن، في محاولة إزالة المنازل، والاشتباك مع الأهالي الذين تصدوا لمحاولات طردهم من أرضهم وبيوتهم.
هذا التصرف يكشف أن المواطن المصري في نظر حكومته أصبح مجرد "عقبة" في طريق تسليم الأرض للمشتري الأجنبي، ويجب إزاحته بأي ثمن.
الإزالة قبل التعويض: تجريد الأهالي من حقوقهم
الكارثة الأكبر في هذا النموذج الجديد هي أن الدولة تستخدم القوة وتبدأ في الهدم قبل حتى أن تتفاوض بشكل جدي أو تصل لاتفاق حول تعويضات عادلة مع السكان.
هذا التكتيك الوحشي يهدف إلى كسر إرادة الأهالي وتجريدهم من أي أوراق ضغط.
فبمجرد هدم منزلك، تصبح مشرداً وبلا مأوى، وتضطر لقبول أي تعويضات هزيلة تُعرض عليك.
يروي الأهالي أن المنزل الذي تم الاعتداء على صاحبه ومحاولة هدمه كان قائماً بالفعل، وكل ما فعله هو صب الخرسانة لتجهيزه لزواج ابنه، مما يؤكد أن الهدف هو إزالة أي أثر للأهالي لتقليل قيمة التعويضات المستقبلية.
https://x.com/egy_technocrats/status/1989306813284495573
سيناريو مكرر.. ولكن أكثر وقاحة
إن ما حدث في جزيرة الوراق ورأس الحكمة كان بمثابة بالون اختبار مهد الطريق لما هو أسوأ في علم الروم.
إذا كانت الدولة في السابق تحاول إقناع الرأي العام بجدوى "المشاريع القومية"، فهي الآن لم تعد تكترث حتى لهذا الادعاء.
فالصفقة معلنة والبيع تم لجهة أجنبية، والتهجير يتم لخدمة هذه الصفقة بشكل مباشر وعلني.
هذا التصعيد يثبت أن الحكومة، بعد أن ضمنت غياب أي محاسبة حقيقية، أصبحت أكثر جرأة في انتهاك حقوق مواطنيها.
لقد تحول الأمر من تهجير لصالح "مشروع" إلى تهجير لصالح "صفقة"، والمواطن هو من يدفع الثمن في الحالتين، ولكن بمرارة أكبر هذه المرة.

