في مشهد صادم يمثل قاع الانهيار الأخلاقي والتربوي في مؤسسات الدولة، وثّق مقطع فيديو متداول عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، واقعة اعتداء لفظي من قبل مدرس على طلاب، مع منعهم من دخول المدرسة بدعوى عدم دفع المصروفات، مستخدمًا عبارات مهينة، مثل: "يسقطوا في التقييم" و"اطلع بره انت مش دافع"، في واحدة من أكثر الوقائع إذلالًا للطلاب داخل صرح تعليمي يفترض أنه حاضنة للعلم والقيم.
https://x.com/RassdNewsN/status/1989402612169388480
الواقعة، التي جرت أمام أبواب المدرسة في وضح النهار، ليست مجرد حادثة فردية، بل تكشف وجهًا قبيحًا لوزارة تربية وتعليم فقدت كلًا من البوصلة التربوية والضمير الإداري.
مدرس بوجه السلطة: "اطلعوا بره.. يسقطوا"
الفيديو يُظهر مدرسًا يتعامل مع طلابه بعنجهية لا تليق بمكان تربوي، ويستخدم ألفاظًا خادشة للكرامة أمام زملائهم ومعلميهم وأولياء الأمور، فقط لأنهم لم يسددوا المصروفات المدرسية.
العبارة التي رددها بصوت مرتفع: "يسقطوا في التقييم" ليست فقط اعتداءً لفظيًا، بل إعلان رسمي عن تحويل العملية التعليمية إلى نشاط تجاري محض، يُقاس فيه الطالب بما يدفع، لا بما يتعلم.
هذا هو الانحدار الحقيقي الذي تعانيه المدارس الحكومية، حيث يختفي دور المعلم كمربٍّ وقدوة، ويتحول إلى جابي أموال وسلطوي يُمارس الإقصاء والتعسف دون رقابة أو مساءلة.
أين وزارة التربية من التربية؟
الصمت الرسمي من وزارة التربية والتعليم تجاه هذه الواقعة يطرح سؤالًا خطيرًا: أين موقع التربية من كل ما يحدث؟ وكيف تُترك أبواب المدارس يتحكم فيها بعض المعلمين بعقليات عقابية مهينة؟
بدلًا من أن تحمي الوزارة طلابها من الإذلال، يبدو أنها منهمكة في إعداد "منصات إلكترونية" و"استراتيجيات رقمية"، بينما تنهار القيم داخل الفصول والساحات.
أين هي لجان المتابعة؟ وأين هو دور مديري المدارس؟ ولماذا لا يُحاسب هذا المعلم فورًا؟ أم أن كرامة الطالب لم تعد ضمن جدول أعمال الوزارة أصلًا؟
الفقر ليس جريمة.. فهل أصبح الطالب الفقير متهمًا؟
المصيبة الأكبر ليست في سلوك المعلم فحسب، بل في فلسفة المؤسسة التعليمية التي باتت تعتبر عدم دفع المصروفات جريمة تستحق العقاب والطرد، بدلًا من اعتبارها مسؤولية الدولة تجاه أبناءها.
الطلاب الذين لم يتمكنوا من السداد، هم في الغالب من أسر محدودة الدخل، تحاول النجاة وسط موجات الغلاء المستمرة.
هل المطلوب من الطالب أن يعمل في ورشة بعد المدرسة ليسدد مصروفاته، أم أن يُمنع من التعليم ويُهان أمام زملائه؟
كيف نقنع أبناءنا بقيمة التعليم إذا كان بوابه الأول يمنعهم من الدخول لأنهم لا يملكون إيصال دفع؟
هدم للقيم في معقل القيم
المعلم المفترض به أن يكون قدوة ومصدرًا للإلهام، أصبح أداة تهديد وتحقير، يُمارس سلطته ضد الأضعف بلا رحمة. استخدامه ألفاظًا مثل "اطلع بره" و"مش دافع" أمام زملاء الطالب، يهدم ما تبقى من احترام متبادل داخل أسوار المدرسة.
هذه السلوكيات تؤسس لبيئة عدوانية تُربّي الخوف لا العلم، والمهانة لا الانضباط.
أي طالب سيخرج من هذه المدرسة إلا وهو محمّل بكراهية للمكان الذي يُفترض أن يكون بيته الثاني؟
من يحاسب؟ ومن يُربي؟
المطلوب ليس فقط معاقبة المعلم الذي ظهر في الفيديو، بل محاسبة الإدارة التي سمحت له بهذا السلوك، وتطهير المؤسسات التعليمية من العقليات المتخلفة التي ترى في الطالب مصدر دخل لا مشروع إنسان.
وزارة التربية والتعليم مطالبة بالخروج من حالة الغيبوبة، والاعتراف بأن الأزمة ليست فقط في التمويل، بل في فشلها الأخلاقي والتربوي.
أما إذا استمر هذا النهج، فستصبح المدارس مجرد مؤسسات عقابية، ينتج عنها أجيال ناقمة على مجتمعها، لا متعلمة ولا محصّنة.

