أحالت نيابة الأموال العامة العليا في مصر، برئاسة المستشار معتز الحميلي المحامي العام الأول، أمس  الخميس، أحد أبرز مسؤولي مصلحة دمغ المصوغات والموازين إلى محكمة الجنايات، بعد توجيه اتهامات له باختلاس كميات كبيرة من المشغولات الذهبية والفضية المودعة بخزائن المصلحة كأحراز في قضايا مختلفة. وتقدَّر القيمة الإجمالية للمضبوطات المختلسة بنحو 300 مليون جنيه (نحو 6.35 ملايين دولار)، في واقعة تُعد من أكبر قضايا الاختلاس التي تشهدها المصلحة خلال السنوات الأخيرة.

 

وتحمل القضية رقم 105 لسنة 2025 حصر وارد أموال عامة عليا، والمقيدة برقم 49 لسنة 2025 جنايات أموال عامة عليا، والمتهم فيها نادي عبد النبي لبيب (48 عامًا)، الذي يشغل منصب أمين خزينة التفتيش الفني بمصلحة دمغ المصوغات والموازين في منطقة الجمالية بالقاهرة.

 

وأشار قرار الإحالة إلى أن المتهم، بصفته موظفًا عامًا ومن الأمناء على الودائع، قام باختلاس أحراز ومشغولات ثمينة كانت النيابة العامة قد تحفظت عليها وسلمتها إلى جهة عمله لحفظها في خزينة المصلحة تحت عهدته. وتضمنت الأحراز المختلسة مشغولات ذهبية بلغ وزنها 63 كيلوجرامًا و160 غرامًا، إضافة إلى مشغولات فضية تزن كيلوجرامًا و474 جرامًا، وجميعها مودعة لديه رسميًا لحين طلبها من الجهات القضائية المختصة وفق الضوابط المعتمدة داخل المصلحة.

 

وكشفت التحقيقات أن المتهم استغل منصبه وثقة رؤسائه، واحتجز تلك المشغولات لنفسه بقصد تملكها، مخالفًا التعليمات واللوائح المنظمة للعمل، دون أن يعيدها أو يثبت صرفها وفق إجراءات رسمية. وتم اكتشاف الواقعة عقب مراجعة دورية أظهرت وجود عجز كبير في محتويات خزينة التفتيش الفني، فتم إخطار النيابة العامة التي شكّلت لجنة فنية لحصر المفقودات وتقدير قيمتها.

 

وأكد تقرير اللجنة أن إجمالي قيمة المصوغات المختلسة يصل إلى نحو 300 مليون جنيه، ما يعكس حجم الجريمة وخطورتها، لكونها تمسّ مجموعة كبيرة من الأحراز القضائية التي تُعد أدلة في قضايا جنائية منظورة أمام القضاء. ومن المقرر أن تبدأ محكمة الجنايات خلال الأسابيع المقبلة أولى جلسات محاكمة المتهم، وسط ترقب واسع من الجهات الرقابية، باعتبار أن الواقعة تكشف عن خلل إداري ورقابي جسيم داخل منظومة حفظ الأحراز في مصلحة دمغ المصوغات والموازين.

 

3 نماذج لاختلاس المال العام

 

عندما يُسرق المال العام، لا تُسرق فقط أوراق حافظات أو صناديق خزينة، بل تُسرَق الفرص والحياة الكريمة للفقراء والمجتمعات. إن غياب الرقابة الفاعلة وتفاقم حالات الاختلاس في مصر أصبحا تهديدًا مباشرًا للطبقات الضعيفة، فإذا اختُلت العدالة في إدارة أموال الدولة، فمن سيقف إلى جانب من لا يملك؟

 

قضية فساد المليار دولار

 

في واحدة من أكبر قضايا اختلاس المال العام تاريخيًا في مصر، أحالت النيابة العامة، عام 2018، ثلاثة مديرين تنفيذيين بشركة بترول خاصة للمحاكمة، متهمين باختلاس نحو مليار دولار من أموال الشركة، وتهريبها إلى الخارج.


أظهرت التحقيقات أن المتهمين استولوا على مبالغ بملايين الدولارات من خلال تحويلات مشبوهة لحساباتهم الشخصية، باستخدام شركات وهمية وبنوك خارج البلاد، تحت ستار التعاملات القانونية، ما أثار تساؤلات حول هشاشة الرقابة على المال العام.

 

اختلاس 5.6 ملايين جنيه في محكمة غرب الإسكندرية

 

في يونيو 2024، حكمت محكمة جنايات الإسكندرية على موظفين بمؤسّسة قضائية غرب الإسكندرية بالسجن لمدة خمسة أعوام وعزلهما من وظيفتيهما، بعد ثبوت اختلاسهما خمسة ملايين و658 ألفًا و660 جنيهاً تقريبًا من أموال المحكمة.


وأوضح التحقيق أن المتهمين استغلّا موقعهما كموظفين ماليين في المحكمة بين 2018 و2022، وقاما بتزوير أوامر صرف إلكترونية وتوقيعات، وتحويل المستحقات إلى حسابات بنكية خاصة بهما وأقربائهما، ما يعكس غياب جدّية الرقابة الداخلية والخارجية.

 

اختلاس 6.6 ملايين جنيه من مركز مُعيّن بشهادات إحداثيات

 

في مارس 2025، أحال مكتب النيابة في المنصورة مجموعة متهمين إلى محكمة الجنايات بتهمة اختلاس ما يزيد عن خمسة ملايين و650 ألف جنيه من مركز معلومات شبكات المرافق، عن طريق إصدار شهادات إحداثيات مزيفة وتحويل الرسوم إلى حسابات المتهمين.


التحقيقات كشفت أن موظفين حكوميين استعانوا بمستندات مزورة، وتعاونوا مع مقاولين لتسهيل عملية الاختلاس، بينما كانت الجهة الرقابية في غفلة، ما سمح باستنزاف موارد كانت مخصصة لخدمة المواطنين.

 

الخلاصة

 

كلّما انتشرت ظاهرة اختلاس المال العام وتهاوت أنظمة الرقابة، زادت الأعباء على الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. فالأموال التي تُسحب من الخزينة العامة تُخصم من التعليم، والصحة، والدعم الاجتماعي، لتُصب في جيوب قليلة. وفي غياب المحاسبة الفعلية والشفافية الحقيقية، لا يمكن أن يُعتمد على أن القضاء أو الرقابة وحدهما كافيان؛ بل لابد من إرادة سياسية واجتماعية تجعل المال العام مقدّسًا، وحقوق الناس محفوظة.