تستمر آلة الحرب الإسرائيلية في انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار المعلن في قطاع غزة، لليوم السابع والعشرين على التوالي، في وقتٍ تتصاعد فيه الانتهاكات بالضفة الغربية، وتتعالى أصوات الفقد في غزة مع إعلان لجنة المفقودين عن بقاء أكثر من عشرة آلاف شهيد تحت الأنقاض، في مشهدٍ يعكس مأساة إنسانية غير مسبوقة.

 

قصف متجدد شرق غزة ونسف منازل

 

منذ فجر اليوم الخميس، شهدت مناطق عدة في قطاع غزة تصعيدًا عسكريًا عنيفًا، إذ قصفت المدفعية الإسرائيلية شرق حي التفاح وشارع النخيل ومنطقة الشعف شرق مدينة غزة، تزامنًا مع غارات جوية نفذتها الطائرات الحربية مستخدمة ما يُعرف بالأحزمة النارية.

 

وفي محافظة خانيونس جنوب القطاع، نفذت قوات الاحتلال عمليات نسف ضخمة طالت منازل ومنشآت سكنية، وسط قصف مدفعي وجوي متواصل على الأطراف الشرقية للمدينة.

 

كما طالت الاعتداءات المناطق الشرقية من دير البلح في المحافظة الوسطى، وحي الزيتون جنوب شرق غزة، فيما أطلقت الزوارق الحربية الإسرائيلية نيرانها باتجاه شاطئ مدينة رفح جنوب القطاع.

 

ووفقًا لمصادر طبية في مستشفى العودة، استُشهد مدني أثناء جمعه الحطب شرقي مخيم البريج وسط القطاع، بعد استهدافه بنيران مدفعية الاحتلال، في خرقٍ جديد للهدنة التي دخلت حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي.

 

خرق مستمر للهدنة رغم الوساطات

 

تأتي هذه التطورات في ظل استمرار خرق الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار، إذ رصدت المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية أكثر من عشرة انتهاكات جديدة منذ ساعات الصباح الأولى، بينها قصف مدفعي وجوي وإطلاق نار كثيف.

 

ووفق إحصاءات ميدانية، فإن الهدنة التي رعتها وساطات إقليمية ودولية لم تصمد أمام تصرفات الاحتلال، الذي واصل عملياته العسكرية وعمليات النسف في مناطق عدة من القطاع، مهددًا بانهيار الاتفاق برمّته.

 

استشهاد مسنة وفتى في الضفة الغربية

 

في الضفة المحتلة، واصلت قوات الاحتلال عملياتها العسكرية واقتحاماتها الدامية للمدن والبلدات الفلسطينية.

 

وفي بلدة المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، استُشهدت الحاجة هنية حنون "أم عماد" صباح اليوم الخميس، بعد اقتحام منزلها والاعتداء على أفراد أسرتها واعتقال حفيدها. وقالت مصادر محلية إن المسنة فارقت الحياة نتيجة الصدمة والاعتداء الجسدي خلال عملية المداهمة العنيفة.

 

وفي جنين، استُشهد الفتى مؤمن فؤاد زكارنة (16 عامًا) بعد إصابته بأربع رصاصات أطلقها جنود الاحتلال خلال اقتحام بلدة اليامون. ووفق شهود عيان، فإن الجنود تركوه ينزف دون إسعافه ومنعوا طواقم الإسعاف من الوصول إليه، قبل أن يعتقلوه وهو في حالة حرجة، ليفارق الحياة لاحقًا. ووصف الأهالي ما حدث بأنه "إعدام ميداني متعمد" يأتي ضمن سياسة التصعيد التي ينتهجها الاحتلال ضد محافظة جنين منذ أسابيع.

 

القسام تسلم جثة أسير إسرائيلي عبر الصليب الأحمر

 

في سياق آخر، أعلنت كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) – أنها سلّمت جثة أحد الأسرى الإسرائيليين إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد العثور عليها في حي الشجاعية شرق غزة، ضمن التفاهمات الجارية بين الحركة والوسطاء.

 

وقالت الكتائب في بيان رسمي على "تليجرام" إن عملية التسليم جرت بالتنسيق مع فرق من الصليب الأحمر وآليات هندسية تابعة للجنة المصرية في القطاع.

 

وأكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تل أبيب تسلمت الرفات رسميًا، في وقتٍ تصاعد فيه الجدل داخل إسرائيل، حيث طالبت عائلات الأسرى الحكومة بعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق مع حماس قبل استعادة جميع الجثامين، معتبرين ذلك "قضية إنسانية ووطنية عليا".

 

مأساة المفقودين: 10 آلاف تحت الأنقاض

 

وفي تطور إنساني بالغ الخطورة، كشفت اللجنة الوطنية لشؤون المفقودين في غزة عن وجود أكثر من 10 آلاف شهيد ما زالوا مدفونين تحت أنقاض المنازل التي دمرتها غارات الاحتلال خلال العدوان الأخير.

 

وقال المتحدث باسم اللجنة علاء الدين العكلوك في مؤتمر صحفي، إن قطاع غزة تحول إلى "أكبر تجمع للمقابر في العالم"، مؤكدًا أن آلاف العائلات لم تتمكن حتى الآن من استعادة جثامين ذويها أو وداعهم الوداع الأخير.

 

وانتقد العكلوك بشدة غياب الدور الدولي الفاعل، وازدواجية المعايير في التعامل مع الضحايا الفلسطينيين مقارنة بالاهتمام الدولي باستعادة جثامين الأسرى الإسرائيليين، واصفًا ذلك بأنه "تحيز صارخ وانتهاك للقيم الإنسانية".

 

وطالب المتحدث الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتفعيل القنوات السياسية والقانونية للضغط على المجتمع الدولي من أجل فتح ملف المفقودين، وإدخال فرق متخصصة ومعدات ثقيلة للكشف عن الجثامين، وإجراء الفحوص الجينية للتعرف على هويات الضحايا، تمهيدًا لإعادة إعمار القطاع ورفع الركام.

 

حصيلة ثقيلة وحصار متواصل

 

منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن استشهاد أكثر من 68,875 فلسطينيًا وإصابة نحو 170,679 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال، فضلًا عن آلاف المفقودين الذين لا يزال مصيرهم مجهولًا تحت أنقاض البيوت المدمرة.

 

ورغم الهدنة المعلنة، يواصل الاحتلال فرض حصاره الخانق على القطاع، مانعًا دخول المساعدات الإنسانية والوقود، ما يزيد من تفاقم الكارثة الصحية والمعيشية في غزة.