في فاجعة جديدة تضاف إلى سجل الإهمال الحكومي المتزايد، لقيت أسرة كاملة مكونة من أم وجدة وأربعة أطفال مصرعها في حريق مروع اندلع داخل شقتهم السكنية بمنطقة بيجام في شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية.
هذا الحادث المأساوي ليس مجرد حدث عرضي، بل هو نتيجة حتمية لغياب الرقابة وتدهور معايير السلامة الأساسية، ويكشف مرة أخرى عن فشل الدولة في حماية أرواح مواطنيها، خاصة في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان التي تركت لمصيرها في مواجهة المخاطر اليومية.
تفاصيل النهاية المأساوية
بدأت الفاجعة عندما تلقت الأجهزة الأمنية بلاغاً بنشوب حريق في عقار سكني. ورغم وصول سيارات الإطفاء والإسعاف إلى الموقع، كانت ألسنة اللهب قد التهمت الشقة بالكامل، حاصدة أرواح الأم (35 عاماً)، وأطفالها الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و15 عاماً، بالإضافة إلى جدتهم (60 عاماً). وكشفت التحقيقات الأولية أن الوفاة نجمت عن الاختناق بسبب كثافة الدخان الذي ملأ الشقة الصغيرة وحال دون تمكن أي من أفراد الأسرة من النجاة.
وبينما تمكنت قوات الحماية المدنية من منع امتداد النيران إلى الشقق المجاورة، فإنها لم تتمكن من إنقاذ الأرواح التي أزهقت، وهو ما يطرح تساؤلات حول سرعة الاستجابة وفعالية التعامل مع مثل هذه الحرائق في المناطق ذات الشوارع الضيقة والمباني المتلاصقة.
وقد تم نقل الجثامين إلى المستشفى، فيما تولت النيابة العامة التحقيق وأمرت بانتداب المعمل الجنائي لتحديد سبب الحريق، وهي إجراءات روتينية تتكرر بعد كل كارثة دون أن تؤدي إلى تغييرات حقيقية على أرض الواقع.
غياب الرقابة وسياسات السلامة المهترئة
يشير خبراء السلامة العامة إلى أن حوادث الحرائق المنزلية، خاصة في المناطق العشوائية والشعبية، أصبحت ظاهرة مقلقة تعكس غياباً شبه تام للرقابة من قبل الأحياء المحلية وأجهزة الدولة المعنية. فغالبية هذه العقارات تعاني من مشاكل مزمنة مثل تهالك شبكات الكهرباء، والوصلات العشوائية وغير المؤمنة التي تتحول إلى قنابل موقوتة، فضلاً عن غياب طفايات الحريق أو أنظمة الإنذار المبكر.
وأكد متخصصون في إدارة الأزمات أن الحكومة المصرية تنفق المليارات على مشروعات دعائية ضخمة، بينما تتجاهل أبسط متطلبات الأمان للمواطنين في منازلهم.
فبدلاً من تخصيص ميزانيات لتجديد البنية التحتية المهترئة وفرض معايير سلامة صارمة على المباني السكنية القديمة، تكتفي السلطات بالتعامل مع كل حادثة كأنها حالة فردية، وتتجاهل الأسباب الجذرية التي تجعل وقوعها أمراً شبه حتمي.
سلسلة من الكوارث التي لا تنتهي
حادثة شبرا الخيمة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة في ظل السياسات الحالية. فهي تأتي ضمن سلسلة طويلة من الكوارث المشابهة، من حرائق المصانع غير المرخصة في منطقة العبور إلى انهيار العقارات القديمة في الإسكندرية والقاهرة.
في كل مرة، تتكرر نفس المشاهد المأساوية: ضحايا من الأبرياء، وتصريحات رسمية تعد بالتحقيق والمحاسبة، ثم يعود كل شيء إلى ما كان عليه، في انتظار الكارثة التالية. إن تكرار هذه الحوادث يثبت أن هناك خللاً بنيوياً في أولويات الحكومة التي يبدو أنها لا تضع حياة المواطن البسيط على رأس قائمة اهتماماتها. إن دموع أهالي ضحايا شبرا الخيمة هي شهادة حية على فشل منظومة بأكملها، منظومة ترى في المواطن رقماً وليس إنساناً يستحق الحياة في بيئة آمنة.
إن موت أسرة بأكملها اختناقاً في منزلها يجب ألا يمر مرور الكرام. هذه المأساة ليست قضاءً وقدراً بقدر ما هي نتيجة مباشرة لسنوات من الإهمال والفساد الإداري وغياب الإرادة السياسية لإحداث تغيير حقيقي.
وما لم تتم محاسبة المسؤولين عن هذا التقصير، بدءاً من أصغر موظف في الحي المحلي وصولاً إلى كبار المسؤولين في الحكومة، ستستمر قائمة الضحايا في الازدياد، وستظل الأسر المصرية تعيش في خوف دائم داخل بيوتها التي من المفترض أن تكون ملاذها الآمن.

