في شهادة جديدة على وحشية الصراع الدائر في السودان، كشفت صور أقمار اصطناعية حديثة التقطها مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل عن تحول أجزاء من مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، إلى ما يشبه "مقابر جماعية محتملة". الصور، التي التُقطت بين 26 و28 أكتوبر الماضي، تُظهر أكوامًا من الأجسام البيضاء في محيط مستشفى الولادة بالمدينة، يتراوح طولها بين متر وثلاثين سنتيمترا ومترين، وهو ما يتطابق مع أبعاد جسم الإنسان. هذه الأدلة البصرية المروعة، التي يصفها مدير المختبر بأنها "شرارة لغضب عام"، تأتي لتؤكد حجم الكارثة الإنسانية في مدينة معزولة عن العالم، حيث الأقمار الاصطناعية هي "الوسيلة الوحيدة تقريبا" لمراقبة الفظائع بسبب انقطاع الاتصالات ومنع دخول الصحافيين وفرق الإغاثة.

 

سقوط المدينة وبداية الرعب

 

منذ سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع في السادس والعشرين من أكتوبر 2025، تواترت الشهادات عن فظائع وانتهاكات واسعة النطاق. لقد تحولت المدينة إلى مسرح للإعدامات الميدانية، والعنف الجنسي الممنهج، وعمليات النهب والخطف. ناجون من الحصار يروون قصصًا تفطر القلب؛ فقد وصفت امرأة ناجية وصلت إلى مدينة الطويلة المجاورة كيف كان "الاغتصاب جماعيًا وأمام الناس، ولا أحد كان يستطيع أن يوقفه"، مضيفة أن "المشاهد لا تزال تطاردني في الليل". هذه الشهادات تتطابق مع تقارير الأمم المتحدة التي أشارت إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت "انتهاكات جسيمة قد ترقى إلى جرائم حرب". وقد حث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أطراف النزاع على وقف ما وصفه بـ"كابوس العنف" في السودان.

 

أرقام تكشف حجم المأساة

 

الأرقام المعلنة، رغم صعوبة التحقق منها بشكل كامل، ترسم صورة قاتمة للوضع. أفادت الأمم المتحدة بأن عدد القتلى جراء الهجوم على الفاشر قد يناهز المئات، بينما تتهم الحكومة السودانية قوات الدعم السريع بقتل ألفي مدني. وقد أدى الهجوم إلى فرار عشرات الآلاف من سكان المدينة، لينضموا إلى قافلة النازحين التي سببها النزاع منذ اندلاعه في أبريل 2023. هذا الصراع أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من الأشخاص وأدى إلى نزوح حوالي 12 مليون شخص، مما تسبب في أكبر أزمتي نزوح وجوع في العالم، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

 

آخر التطورات: هدنة هشة ومعاناة مستمرة

 

مع دخولنا يوم الخميس، 6 نوفمبر 2025، تستمر الأزمة الإنسانية في التفاقم على الرغم من الحديث عن مبادرات لوقف إطلاق النار. فقد أعلنت قوات الدعم السريع موافقتها على مقترح هدنة، لكن الوضع على الأرض لا يزال كارثيًا. التقارير الواردة من الفاشر والمناطق المحيطة بها تفيد باستمرار الانتهاكات، حيث يتعرض الفارون من المدينة لخطر الاختطاف والتعذيب على يد عناصر "الدعم السريع". لقد أصبحت الفاشر واحدة من أكثر المناطق دمارًا في البلاد، مع نقص حاد في الإمدادات الطبية والغذائية وخروج جميع مستشفيات المدينة عن الخدمة. وفي ظل هذا الحصار المطبق، تبقى الأقمار الاصطناعية المصدر شبه الوحيد لرصد ما يجري على الأرض، كاشفةً عن مأساة إنسانية تتطلب تحركًا دوليًا عاجلاً لوقف "كابوس العنف" الذي يلتهم السودان.