في استعراض دعائي جديد يهدف لتزيين الفشل، تحتفل حكومة الانقلاب بما تسميه "إنجازًا تاريخيًا"، حيث وصلت قيمة الصادرات الزراعية إلى 10.7 مليار دولار عام 2024. ويسارع وزير الزراعة في حكومتها، علاء فاروق، إلى إطلاق الوعود برفع الرقم إلى 12 مليار دولار في 2025، مروجًا لهذا باعتباره شهادة نجاح. لكن خلف هذه الأرقام التي تستخدم للتغطية على الإخفاقات الاقتصادية المتلاحقة، يكمن واقع كارثي؛ فهذا "النجاح" المزعوم ليس إلا غطاء لعملية استنزاف ممنهجة لأثمن موارد مصر المائية، وتدمير للبيئة، واستغلال وحشي للعمالة، وكل ذلك مقابل عائد اقتصادي هزيل. هذا التقرير يفضح بالأرقام التكلفة الحقيقية لسياسات النظام الحالي، التي تصر على بيع مقدرات البلاد في أسواق العالم بأبخس الأثمان.

 

نزيف المياه العذبة: بيع شريان حياة مصر مقابل فتات الدولارات

إن الجريمة الكبرى التي ترتكبها سياسات التصدير الزراعي الحالية هي التفريط المتعمد في أمن مصر المائي. فبينما تواجه البلاد فقرًا مائيًا حادًا، تستهلك صادراتها الزراعية ما يقارب 18 مليار متر مكعب من المياه سنويًا، أي ما يعادل ثلث حصة مصر من مياه النيل. هذه السياسة لا تقل عن كونها بيعًا صريحًا لمياهنا في صورة "مياه افتراضية" مدمجة في محاصيل ترفيهية كالبرتقال والفراولة تُصدر لإرواء أسواق أوروبا والخليج.

الفضيحة تكتمل عند النظر إلى المقابل المادي لهذا النزيف؛ فكل متر مكعب من المياه المباعة لا يعود على الخزينة بأكثر من 0.6 دولار، وهو رقم يهبط إلى أقل من 0.4 دولار عند احتساب القيمة المضافة. هذا في حين تؤكد جهات دولية مثل مجموعة بوسطن الاستشارية أن القيمة الحقيقية للمتر المكعب من المياه في المناطق الشحيحة تقدر بعدة دولارات. إن العائد الذي تحققه مصر هو إهانة لاقتصادها ومستقبل أجيالها، فبينما تجني الدول الغنية 57 دولارًا من كل متر مكعب، وتجني دول متوسطة الدخل 10 دولارات، تقبل سلطة الانقلاب ببيع مياه المصريين بأقل من نصف دولار، في استمرار لنهج إهدار الموارد الوطنية.

 

تكاليف باهظة: تدمير البيئة وسحق العمالة

لا يتوقف إجرام هذه السياسات عند إهدار المياه، بل يمتد ليخلف دمارًا بيئيًا واجتماعيًا واسع النطاق. فالنموذج التصديري الذي يروج له النظام يعتمد بشكل أساسي على العمالة الرخيصة والمستغَلة؛ حيث يتطلب تحقيق مليون يورو من العائدات 164 ألف ساعة عمل، أي 21 ضعف ما تحتاجه الدول الغنية. هذا الرقم يكشف عن بنية اقتصادية قائمة على سحق العمال. بيئيًا، تتسبب هذه الصادرات في تسميم المياه العذبة بمعدل يفوق بـ 32 مرة نظيراتها في دول الشمال، وتدهور النظم البيئية بمعدل 14 ضعفًا، نتيجة الاستخدام السرطاني للمبيدات والأسمدة الكيماوية.

أما على الصعيد الاجتماعي، فقد حولت هذه السياسات العمال الزراعيين إلى عبيد في مزارع الرأسمالية التصديرية، يعانون من أجور متدنية، وغياب كامل للتأمين الصحي والاجتماعي، وظروف عمل غير آدمية، وهو ما تجسد في المأساة المروعة لغرق العاملات الزراعيات. فالدعم الذي تقدمه الحكومة لا يذهب لهؤلاء العمال، بل هو دعم مباشر للمستهلك الأوروبي والوسطاء الأجانب على حساب دماء وعرق المصريين.

 

دعم المستهلك الأجنبي من جيب المواطن المصري

تنفذ حكومة الانقلاب سياسة دعم مشوهة، حيث تضخ 3.65 مليار جنيه سنويًا لدعم الصادرات الزراعية، بالإضافة إلى الدعم الخفي في أسعار المياه والطاقة. هذا الدعم ليس سوى تحويل مباشر لأموال دافعي الضرائب المصريين لدعم رفاهية المستهلك في أوروبا والخليج، وتمكين الوسطاء العالميين من تحقيق أرباح طائلة. فبينما يحصل المصدر المصري على فتات لا يتجاوز 10% من سعر بيع البرتقال في متجر أوروبي، تذهب الأرباح الحقيقية لشبكات التوزيع الأجنبية. إنها سياسة تجعل الفقير يدعم الغني، وتعمق تبعية الاقتصاد المصري بدلًا من تحريره.

 

تخفيض الجنيه: سباق العبيد نحو القاع

تتكامل سياسات التفريط في الموارد مع كارثة الخفض المتوالي لقيمة الجنيه، الذي فرضته إملاءات صندوق النقد الدولي ونفذته السلطة بصرامة. لقد كان "نجاح" البرتقال المصري المزعوم قائمًا على انهيار سعره إلى 15 سنتًا للكيلوجرام، أي 150 دولارًا للطن في عام 2024، بعد أن كان سعره 513 دولارًا قبل عام 2016. هذا الانهيار يعني أن مصر تبيع اليوم مواردها الطبيعية وجهد أبنائها بسعر أرخص من أي وقت مضى، وتحصل على قوة شرائية أقل مقابل كل سلعة تصدرها. إنها وصفة صندوق النقد التي تكرس الفقر وتدفع البلاد إلى سباق محموم نحو القاع، حيث تتنافس الدول على من يبيع مقدراته بأبخس الأثمان.