يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يحتاجون إلى الغسيل الكلوي في مصر نحو 60 ألف مريض، يحتاج كل مريض إلى ما لا يقل عن ثلاث جلسات غسيلي كلى أسبوعيًا، وتبلغ تكلفة الجلسة الفعلية 685 جنيهًا، وتدعم الدولة أغلب المرضى الذين يخضعون لعمليات غسيل الكلى، ويتلقى جزء منهم العلاج في المستشفيات الحكومية، في حين تتحمل عائلات المرضى جزءًا كبيرًا من التكاليف، خاصة غير المشتركين منهم في التأمين الصحي، وطبقًا لما أعلنته وزارة الصحة والسكان، في عام 2017؛ فإن 49% من حالات الفشل الكلوي في مصر، يرجع سببها إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم أو السكري.
وفي أكتوبر الجاري أعلنت الصحة عن إصدار 776,379 قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة إجمالية 6.364 مليار جنيه، خلال الفترة من يوليو إلى أغسطس 2025، ضمن مبادرة “100 يوم صحة”، وشملت القرارات تخصصات: الأورام، الكبد، الكلى، القلب، العظام، المخ والأعصاب، وزراعة النخاع، بإجمالي 736,543 مستفيدًا.
رغم أن أزمة نقص الأدوية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي لم تصل بعد إلى مرحلة الكارثة، فإن مؤشرات الخطر تتزايد مع استمرار النقص في العقاقير الحيوية، وعلى رأسها دواء "إيثروبويتين" المستخدم لعلاج الأنيميا المصاحبة للفشل الكلوي، بحسب ما يؤكد الدكتور حامد عزت العراقي، استشاري أمراض الكلى والباطنة.
غياب "إيثروبويتين" يدفع المرضى إلى نقل الدم
يوضح العراقي أن الانقطاع المتكرر لعقار إيثروبويتين يجبر المرضى على اللجوء إلى نقل الدم كبديل مؤقت، وهو حل مكلف ماليًا ومرهق صحيًا، نظرًا لصعوبة الحصول على الفصائل المناسبة ونقص أكياس الدم في المستشفيات، إضافة إلى ارتفاع تكلفتها.
ويشير إلى أن العقار لا يتوافر إلا تحت أسماء تجارية محدودة مثل “إيبوتين” و”إيبياو” و”ريكورمون”، لافتًا إلى أن الأزمة ليست في العلامة التجارية نفسها، بل في المادة الخام المستوردة التي تشهد نقصًا دوريًا بسبب صعوبات الاستيراد وتمويل الدولار.
ويضيف العراقي أن هناك أصنافًا أخرى تواجه نقصًا متفاوتًا مثل أدوية التعويض بعد جلسات الغسيل الكلوي، من بينها فيتامين "ب المركب" و"إل-كارنيتين"، في حين يعاني دواء "سيڤيلامير" -المستخدم لخفض الفوسفور في الدم- من ندرة في الأسواق، بعد خروجه من قائمة الأدوية المغطاة بالتأمين الصحي، مما ضاعف الأعباء المالية على المرضى بسبب ارتفاع سعره.
شكاوى من جودة الفلاتر وعدم ملاءمتها
ويؤكد الاستشاري أن أزمة العملة الأجنبية دفعت الحكومة إلى استبدال بعض الأصناف المستوردة بمحلية الصنع، وهو ما أثار قلقًا واسعًا بين المرضى، خاصة ممن خضعوا لزراعة الكلى ويخشون من التأثيرات الجانبية لتغيير بروتوكولات العلاج.
ويضيف أن المخاوف لا تقتصر على الجانب الصحي، بل تمتد إلى الجانب النفسي، إذ يشعر كثير من المرضى بعدم الاطمئنان تجاه البدائل المحلية التي لم تحقق الاستجابة المطلوبة في بعض الحالات.
وتطرق العراقي إلى شكاوى بعض المرضى من عدم ملاءمة أحجام فلاتر الغسيل الكلوي لأوزانهم، موضحًا أن نسبة كبيرة من الفلاتر المستوردة عبر هيئة الشراء الموحد عالية الجودة، لكن بعض الفلاتر المحلية لا تناسب جميع الحالات، نظرًا لغياب التخصيص المناسب وفق وزن المريض بعد توقف بعض الشركات الموردة.
أعباء مالية متزايدة
ويشير العراقي إلى أن المرضى كانوا في السابق يحصلون على بدل انتقال بحكم قضائي بحسب المسافة بين منازلهم ومراكز الغسيل، لكنهم اليوم يُجبرون على توقيعات غير واضحة القيمة للحصول على المخصصات، ما يدفع بعضهم إلى اللجوء مجددًا إلى القضاء لإثبات حقوقهم.
ويؤكد استشاري أمراض الكلى أن عدد مرضى الغسيل الكلوي في مصر في تزايد مستمر نتيجة انتشار أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم، وهما السببان الرئيسيان للفشل الكلوي عالميًا.
ويشير إلى أن نسبة إشغال أجهزة الغسيل تتراوح بين 60 و70% فقط، لكن المشكلة لا تكمن في نقص الأجهزة بل في سوء توزيعها والكوادر الطبية بين المحافظات، مما يخلق تفاوتًا حادًا في الخدمات.
انتقال العدوى
فيما يُرجع محمود فؤاد، رئيس جمعية الحق في الدواء، نقص أدوية الإريثروبيوتين في مصر، والضرورية لمواجهة الأنيميا الحادة التي تصيب مرضى الفشل الكلوي، إلى توقف الاستيراد أو وجود مشكلات في توريد الأدوية لهيئة الشراء الموحد، مما يضاعف معاناة المرضى ويهدد صحتهم بشكل مباشر.
ويتابع “المشكلات لا تقتصر على نقص الأدوية، بل تمتد إلى صيانة أجهزة الغسيل والفلاتر، قبل سنوات حدثت واقعة شهيرة في إحدى مستشفيات كفر الشيخ، حين أصيب ثمانية مرضى بعدوى فيروس “سي” نتيجة إعادة استخدام الفلاتر من مريض لآخر، هذا الخطر كان سببًا رئيسيًا في تخصيص أجهزة للمصابين بفيروس “سي”، إلا أن القلق من انتقال العدوى بسبب الغسيل الكلوي، لا يزال قائمًا”.
نقص حاد في الحقن الحيوية وارتفاع الأسعار
من جانبه، يصف الدكتور محمد جمال، مدير مراكز صناع الحياة للغسيل الكلوي، حياة مرضى الفشل الكلوي بأنها رحلة معاناة يومية، تبدأ بثلاث جلسات أسبوعيًا تستغرق كل منها نحو أربع ساعات، يسبقها ويعقبها وقت طويل في التنقل، ما يجعل المريض يقضي ما لا يقل عن ست ساعات خارج منزله في كل مرة، وسط تكاليف نقل متزايدة وحاجة دائمة لمرافق.
ويشير جمال إلى أن المرضى يعتمدون على قرارات علاج على نفقة الدولة لتغطية أدوية ما بعد الجلسات، مثل حقن “إل-كارنيتين” و”بي-كوم”، إضافة إلى “الإيبوتين” لعلاج الأنيميا.
غير أن هذه الأدوية تشهد نقصًا حادًا في السوق، إذ يحصل المريض أحيانًا على نصف الكمية المطلوبة فقط، ما يجبره على شراء البقية بأسعار مرتفعة تتراوح بين 200 و300 جنيه للحقنة الواحدة.
مطالب بإدراج الفشل الكلوي ضمن الخدمات المتكاملة
ويضيف أن الأزمة الحالية تقتصر على نقص أدوية فقر الدم وبعض حقن "التشطيب"، بينما لا توجد مشكلات كبيرة في المحاليل والمستلزمات الأساسية التي توفرها الدولة، لكن مدى التوفر يختلف من مستشفى إلى أخرى، مما يدفع بعض المرضى إلى الشراء من الخارج بأسعار باهظة.
ويختتم جمال بالتأكيد على أن مرضى الفشل الكلوي يطالبون منذ سنوات بإدراج مرضهم ضمن بطاقة الخدمات المتكاملة ومعاش “تكافل وكرامة”، باعتباره مرضًا مزمنًا لا شفاء منه، يوازي الإعاقات الدائمة في أثره الاجتماعي والوظيفي.
ويشير إلى أن صرف بدل المواصلات يتم حاليًا بإجراءات معقدة وبمبالغ رمزية لا تغطي التكلفة الفعلية، داعيًا إلى إعادة توزيع المرضى على المراكز الأقرب جغرافيًا لتخفيف الأعباء المادية والجسدية عنهم.