تشهد المؤسسات التعليمية في مصر موجة متصاعدة من الاعتداءات على المعلمين داخل المدارس، تعكس حالة تدهور أمني وغياب الحماية الفعلية لهم من طرف أولياء الأمور وبعض الطلاب، وسط حالة من العجز في التصدي لهذه الظاهرة من قبل وزارة التربية والتعليم والأجهزة الأمنية. وتبرز حادثة الاعتداء بالشبشب على معلم داخل مدرسة عمر مكرم الإعدادية بالمنيب بالعمرانية، والتي تداولتها منصات التواصل الاجتماعي، كنموذج صارخ لغياب الأمن والرقابة داخل المدارس، مما يستدعي تسليط الضوء على هذه الأزمة الخطيرة.
رصد الاعتداءات البارزة ضد المعلمين والتواريخ:
منذ بداية العام الدراسي 2024-2025، تعالت الأصوات حول تسجيل أكثر من 200 حالة اعتداء جسدي ولفظي على المعلمين في مدارس حكومية، كان منها:
في 25 سبتمبر 2025، اعتداء بالضرب مميت من قبل ولي أمر على معلم داخل أحد مدارس الجيزة، ما دفع نقابة المعلمين لإصدار بيان تضامني ورفع بلاغ رسمي ضد المعتدي.
في 30 سبتمبر 2025، بث مقطع فيديو على مواقع التواصل يوثق اعتداء أولياء أمور على معلم داخل مدرسة عمر مكرم بالمنيب، حيث ضرب المعلم بالشبشب، وأثار الفيديو ردود فعل غاضبة على نطاق واسع.
خلال سبتمبر 2025 أيضاً، شهدت عدة مدارس في القاهرة والجيزة حالات شجار واعتداءات على المعلمين، بعضها يتعلق بمشاكل الطالب والمعلم خلال الدروس، وبعضها يعود لمطالب أولياء الأمور غير المنطقية أو النزاعات على الشعب الدراسية.
هذه الوقائع ليست إلا جزءًا من سلسلة حوادث متكررة تدل على مشكلات متفاقمة وأزمات بنيوية في البيئة التعليمية.
دور مخيب لوزارة التربية والتعليم
تواجه وزارة التربية والتعليم انتقادات حادة على خلفية فشلها في وضع آليات حماية صارمة للمعلمين، وعدم تطبيق عقوبات رادعة ضد المعتدين، رغم تكرار الحوادث وإصدارها لتوجيهات بضرورة ضبط الانضباط داخل المدارس. كما تعاني الوزارة من نقص في عدد المعلمين، واكتظاظ الفصول الدراسية التي قد تصل أعداد الطلاب فيها إلى 60 طالبًا، مما يزيد الضغوط على المعلم ولا يترك له حيزًا كافيًا للسيطرة على جو الفصل. هذا كله يُضعف قدرة الوزارة على توفير بيئة آمنة ومحفزة للتعليم.
تقاعس أمني
مع تكرر هذه الاعتداءات، تظهر إخفاقات واضحة على صعيد الأمن المدرسي، حيث أن الدوريات والأجهزة الأمنية غالبًا ما تتدخل بعد وقوع الحوادث وليس بشكل وقائي داخل المدارس. التجاوزات الأمنية تشمل تقليل أعداد عناصر الأمن داخل المدارس، وعدم التزام بعض إدارات المدارس بالتنسيق الكامل مع الشرطة لتأمين محيط المدارس، خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، مما يُعرض المعلمين لمخاطر متعددة دون حماية حقيقية. كما يفتقر الأمن المدرسي إلى برامج التوعية والتدخل المبكر لمنع التصعيد.
ومما سبق يتضح من رصد هذه الوقائع أن الاعتداء على المعلمين ظاهرة متكررة تعبر عن أزمة أمنية وتعليمية حقيقية تعاني منها مصر، وتتطلب تنسيقًا عاجلًا وحازمًا بين وزارة التربية والتعليم والأجهزة الأمنية لوضع حلول فورية لوقف هذه الهجمات، وحماية الكادر التعليمي من الإيذاء النفسي والجسدي، لأن ذلك يؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم ومستقبل الأجيال القادمة. ويجب أن يكون هناك موقف صارم ورادع ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على المعلمين، وضمان توفير بيئة مدرسية آمنة تُحافظ على كرامة المعلم ورسالة التعليم السامية.