شهدت مدغشقر في الأيام الأخيرة عصيانًا شعبيًا واسع النطاق ضد الفساد المستشري والحكم القمعي، في حركة احتجاجية قيادتها يعود لجيل الشباب المعروف بجيل Z، الذي أظهر عزمه على تغيير واقع بلاده. تأتي هذه الاحتجاجات بعد موجات مماثلة شهدها المغرب ونيبال، ما يطرح سؤالًا جوهريًا عن مدى إمكانية امتداد هذه الانتفاضات إلى مصر، التي تعاني بدورها من أزمة فساد عميقة وتدهور اقتصادي متفاقم.

https://www.youtube.com/watch?v=7v6KdZhdDCk

 

مدغشقر ترفع لواء المقاومة ضد الفساد والظلم

انطلقت الاحتجاجات في مدغشقر ردًا على سياسات حكومة اتهمها المواطنون بالفساد واستغلال الموارد، إضافة إلى فشل في توفير الخدمات الأساسية والعيش الكريم. كان الجيل الجديد في مقدمة هذه الثورة، مستغلاً ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل لفضح الانتهاكات والمطالبة بالتغيير الجذري.

https://www.youtube.com/watch?v=8Hk3NeheoTE

واندلعت الاحتجاجات الشعبية في مدغشقر بشكل مكثف بداية من منتصف سبتمبر 2025، بعدما أعلن الشباب عامة و"جيل Z" خاصة تحديهم للنظام الحاكم المتهم بالفساد المستشري، والانهيار الاقتصادي الذي يفاقم معاناة الشعب. وكانت الشرارة الأولى في العاصمة أنتاناناريفو حيث ظهرت المسيرات الطلابية والمظاهرات الحاشدة المطالبة برحيل الحكومة.

شهدت الاحتجاجات تصاعدًا عنيفًا في أواخر سبتمبر، مع مواجهات مباشرة بين المتظاهرين وقوات الأمن التي ردت بقمع شديد، مما أدى إلى سقوط أكثر من 22 قتيلاً، إضافة لمئات الجرحى، واعتقالات تضم ناشطين سياسيين وصحفيين حاولوا تغطية الأحداث أو المشاركة في الاحتجاجات.

استخدمت السلطات أساليب حظر التجول، وقطع الإنترنت، وشلت الاتصالات في محاولة لاحتواء الموجة القوية، لكنها فشلت في تهدئة الغضب الشعبي.

https://www.youtube.com/watch?v=0YGFW_It5xk

أحدثت هذه الاحتجاجات زخمًا واسعًا، حيث أعلن الرئيس مدغشقر اعتذاره الرسمي، ووُجهت عدة دعوات لإصلاحات سياسية واقتصادية عاجلة، مع حماية حقوق الشباب ودعم الشفافية في ملفات الفساد والمالية العامة.

 

جيل "Z".. محرك الغضب العالمي

اللافت أن القاسم المشترك في هذه الموجات هو حضور جيل "Z"، أي مواليد أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.

هذا الجيل نشأ في عصر الإنترنت والاتصال المفتوح، فاكتسب وعيًا مختلفًا عن الأجيال السابقة، يرفض الخطاب التقليدي للسلطة، ويبحث عن العدالة والشفافية.

في مدغشقر، كما في المغرب ونيبال، كان حضورهم الطاغي في الشوارع وعلى المنصات الرقمية، حيث استطاعوا تحويل الغضب الفردي إلى حركة جماهيرية.

 

المغرب ونيبال.. مقدمات للانفجار

في المغرب، قاد "جيل زد 212" احتجاجات متواصلة ضد تدهور الصحة والتعليم، وأسفرت عن اعتقالات واسعة.

وفي نيبال، تحولت المطالب الشعبية إلى مسيرات حاشدة تطالب بتغيير النظام.

اليوم، مشهد مدغشقر يعيد إنتاج ذات السيناريو: فساد متجذر يواجهه جيل يرفض السكوت.

هذا التوالي السريع للاحتجاجات يكشف أن موجة جديدة من الغضب الشبابي تتشكل عبر قارات مختلفة، توحدها القضايا ذاتها: الفساد، الفقر، وانعدام العدالة.
http://https://www.bbc.com/arabic/articles/c4gw0ev8z1ro

 

هل مصر على أعتاب موجة احتجاجات مشابهة؟

مصر، التي تعيش أزمة اقتصادية لا تقل تعقيدًا عن تلك التي تواجهها مدغشقر ونيبال، تواجه تحديات كبيرة أبرزها الفساد المالي والإداري، البطالة المتزايدة، الوضع المعيشي الصعب، وتراجع الثقة في المؤسسات الحكومية. هل سيقود ذلك إلى انتفاضة شعبية ذات طابع شبابي جديد؟ يبقى السؤال مُعلقًا وسط حالة من القمع والرقابة الشديدة.

 

الجيل Z هو الحاضر والمستقبل، هل ينجح في إحداث التغيير؟

جيل Z الذي يمتاز بوعيه وقدرته على التنظيم الإلكتروني، يشكل العامل الأساسي والمحرك للاحتجاجات في هذه الدول. إصغاء الأنظمة إلى هذا الجيل أو التحكم في غضبه لن يكون أمرًا سهلاً، ومن المتوقع أن تلعب هذه الفئة دورًا محورياً في مشهد التغيير السياسي والاجتماعي.

 

الاحتجاجات الحالية في مدغشقر نموذج للتحذير أم فرصة للإصلاح؟

يطرح مشهد مدغشقر تحديًا للنظم العربية، وخصوصًا مصر، بين خيارين: إمّا الاستجابة لمطالب الشعب والتقدم نحو إصلاحات حقيقية، أو الاستمرار في أساليب القمع التي تقود إلى تصعيد المواجهة وشقاق المجتمع أكثر.
هل يفشل النظام العربي في استيعاب دروس الربيع العربي، ويكرر نفس الأخطاء؟

تتذكر المنطقة جروح الربيع العربي التي خلفت تحولات عميقة، ومن الواضح أن الحركات الاحتجاجية الجديدة تحمل ردًا على استمرارية الفساد والسياسات التي فشلت في تحقيق العدالة والتنمية، مما يجعل حالة مصر في دائرة الخطر إن لم تحدث تغييرات واضحة.

 

مصر بين الصمت والانتظار: هل يكتب التاريخ مآلها؟

رغم الأزمة العميقة، تتسم الحالة المصرية بالصمت والرقابة، غير أن الواقع يشي بإمكانية انفجار الغضب الشعبي في ضوء استمرار الإهمال والفساد. هل ستكون مصر مستعدة لمواجهة المستقبل؟ وهل ستدخل التاريخ من بوابة التغيير؟

 

دروس متكررة أم استسلام للتقاعس؟

تضيف الاحتجاجات في مدغشقر بعد النجاحات في المغرب ونيبال رسائل واضحة بأن الشعوب قادرة على التغيير مهما استمرت محاولات القمع. وتبقى مصر في حاجة لإرادة وطنية جادة لتفادي مصير مشابه والإعلان عن خارطة طريق لإصلاح حقيقي وشامل يضمن حقوق المواطنة والتنمية.