في مشهد مؤلم يعكس سياسة بيع مقدرات مصر بلا رادع، أعلنت وزارة المالية طرح 6 قطع أراض متميزة بمنطقة الدراسة في القاهرة الكبرى، ضمنها مناطق استراتيجية مثل شارع صلاح سالم، الأزهر بارك، وجبل الدراسة، وهو الأمر الذي فتح الباب أمام استحواذ إماراتي واسع على تلك الأراضي مقابل حفنة دولارات، وسط غموض كامل حول تفاصيل العقود وأهداف البيع الحقيقي. هذا التفريط في أصول وطنية حيوية يطرح تساؤلات خطيرة عن الدور الذي تلعبه السلطة الحالية والتي يبدو أنها لا تسعى لحماية أصول مصر من التسييل والابتلاع.

 

أراضٍ متميزة في قلب العاصمة مقابل استثمارات ضبابية

تبلغ مساحة القطع المطروحة آلاف الأمتار المربعة لكل قطعة، وأبرزها قطع أراض عبر شارع صلاح سالم الرئيسي تصل مساحتها إلى أكثر من 34,000 متر مربع، قابلة للاستثمار التجاري والسكني والفندقي، وأخرى تقارب 42,000 متر مربع تُعد من أميز الأراضي بالقاهرة الجديدة.

يضاف إلى ذلك الأراضي غير المستغلة في مناطق مثل جبل الدراسة، التي تعد بمثابة قلب جديد للعاصمة، وظاهرة استحواذ مستثمرين إماراتيين بعقود مريحة للغاية مقابل عوائد أقل تناسب المؤسسات الأجنبية أكثر من دعم الاقتصاد المحلي.

 

استثمارات إماراتية تبتلع مناطق استراتيجية: محمد العبار نموذجا

لا يقتصر الابتلاع الإماراتي على البيع المباشر فحسب، بل يشمل استثمارات رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار، الذي أصبح لاعبًا رئيسيًا في السوق المصري، وفق تقارير موثقة، حيث يمتلك مشروعات وعقارات وفنادق وأراضي شاسعة في مناطق استراتيجية بالقاهرة الكبرى، يستهدف بها تحويل العاصمة إلى امتداد لهيمنته الاستثمارية، وسط غياب تام لأي رقابة أو شفافية.

كما أن استثمارات العبار ليست منفصلة عن السياسة الإماراتية التي تسعى للسيطرة على مفاصل الاقتصاد المصري، عبر صفقات تجارية وسياسية تدفع مصر لتفريط المزيد من أصولها.

 

آثار البيع على السيادة الوطنية والأمن الاقتصادي

بيع تلك الأراضي لجهات أجنبية وخاصة إماراتية، يحمل في طياته أزمات مستقبلاً على أمن مصر الغذائي والاقتصادي، حيث تتحول المرافق الحيوية والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية إلى ممتلكات خارجية، مع ما يعنيه ذلك من تقليص السيطرة المحلية على الموارد الأساسية.

إضافة إلى ذلك، يتحول دفع قيمة هذه الأراضي إلى دولارات محولة من الخارج، مما يفاقم العجز في ميزان المدفوعات ويعزز اعتماد الاقتصاد على الاستثمارات المشروطة، بدلاً من تطوير قدرات الداخل ورفع إنتاجيته، ما يشكل ضغطًا على القوة الشرائية للمواطن ويعرقل التنمية الاجتماعية المستدامة.

 

التكرار في خطى بيع مقدرات الوطن

لم تكن هذه القطع الوحيدة التي طرحت للبيع، فقد سبقها بيع عشرات آلاف الأفدنة في مناطق مثل شرق العوينات، توشكى، ورأس الحكمة، التي استحوذت عليها شركات إماراتية وزادت من تملكها الزراعي لتتجاوز مئات آلاف الأفدنة التي تُدار بالعقود الطويلة الأمد بأسعار رمزية، فيما يتدهور الأمن الغذائي والموارد الطبيعية المصرية.

ويُذكر أن هذه السياسة ليست وليدة اللحظة، بل هي استمرارية لسياسات حكومية متراكمة تكررت فيها أعطال الإدارة وعدم وجود حوكمة رشيدة لمنع هدر المال العام وتآكل الملكية الوطنية.

في نهاية المطاف، يبدو أن التجربة المصرية في بيع أراضي شارع صلاح سالم ومنطقة الدراسة تجسد نموذجًا واضحًا لفشل الدولة في الحفاظ على أصولها، حيث يتحول المفهوم الوطني إلى مجرد بروتوكول لتصفية الثروات لصالح مستثمرين أجانب، خاصة الإمارات، تحت مسميات خادعة مثل "استثمارات استراتيجيات" أو "تطوير موارد".

ولا يخفى على أحد أن مساحات العمران والتاريخ والقيمة الاقتصادية تم تسليمها لقاء مبالغ لا تليق بعظمة هذه الأماكن، مما يهدد الأمن القومي المصري ويعمق الفقر والاعتماد الخارجي، في ظل غياب كامل للمساءلة والشفافية، لتبقى مصر في دوامة تفريط حقيقية لا شروط لاستدراكها إلا بقرار وطني شامل يُعيد ترتيب أولويات السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة.