أعادت الفيضانات التي ضربت مناطق واسعة من السودان خلال الأيام الأخيرة الجدل مجددًا حول تداعيات سد النهضة الإثيوبي، بعد أن غمرت المياه منازل وطرقات وتسببت بخسائر مادية في ولايات عدة. وبينما تشير بعض التقديرات إلى أن الأضرار أقل من تلك التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية، فإن أصواتًا حقوقية وقانونية سودانية ارتفعت للمطالبة بمساءلة إثيوبيا وتعويض المتضررين.
الدكتور أحمد المفتي، مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، والخبير البارز في ملف مفاوضات سد النهضة، أكد في تصريحات صحفية أن “على إثيوبيا أن تتحمل مسؤولية مباشرة عن الفيضانات الأخيرة، التي تضرر منها آلاف المواطنين السودانيين“، مشيرًا إلى أن وعود الحكومة السابقة لم تتحقق، إذ كان الحديث يدور عن أن اكتمال السد سيحمي السودان من الفيضانات، غير أن “الاختبار الأول أثبت العكس تمامًا”.
وأوضح المفتي أن وزارة الموارد المائية السودانية نفسها اعترفت بأن إثيوبيا أطلقت كميات من المياه تعادل في ارتفاعها مترًا ونصفًا أكثر من فيضان عام 1988، وهو ما أدى إلى أضرار واسعة النطاق، رغم التحذيرات التي أطلقتها السلطات السودانية. وطالب المفتي الوزارة بـ“الاعتذار العلني للمواطنين، وفتح تحقيق شامل لمساءلة كل من أساء التقدير أو أهمل، خاصة أن بعضهم حصل على جوائز تقدير بدعوى نجاحه في إدارة ملف التفاوض”.
وشدد الحقوقي السوداني على أن التحقيق يجب أن يمتد ليشمل مخالفة إثيوبيا لتعهداتها، سواء ما يتعلق بمد السودان بالكهرباء الرخيصة، أو تمكينه من ثلاث دورات زراعية سنويًا، إضافة إلى وعود أخرى لم تتحقق، وهي الأسباب التي دفعت الخرطوم في وقت سابق لدعم بناء السد. كما حمّل المفتي المفاوضين السودانيين جزءًا كبيرًا من المسؤولية عن ضياع الحقوق المائية، مشيرًا إلى أنه وجّه لهم عشرات التحذيرات المكتوبة منذ عام 2011، لكن دون جدوى.
فيضانات متجددة ومخاوف متصاعدة
شهدت مناطق عدة من السودان في الأيام الثلاثة الماضية فيضانات متفاوتة الحدة، خصوصًا في ولايات النيل الأزرق، سنار، الجزيرة، فضلًا عن بعض الأحياء في جنوب الخرطوم مثل الكلاكلة، حيث غمرت المياه منازل نتيجة ارتفاع منسوب النيل الأبيض القادم من بحيرة فيكتوريا. وعلى الرغم من أن الخسائر لم تصل بعد إلى مستوى الكوارث السابقة، فإن وزارة الري السودانية أطلقت “إنذارًا أحمر” محذرة من موجات فيضان جديدة.
ويرى خبراء أن تصريف نحو 750 مليون متر مكعب من المياه من سد النهضة خلال الأسابيع الماضية، مع غياب التنسيق الفني بين السودان وإثيوبيا، أسهم في تفاقم الأزمة، خاصة مع تراجع السعة التخزينية لسدّي الروصيرص وسنار إلى أقل من 300 مليون متر مكعب.
ويُذكر أن سد النهضة، الذي تم افتتاحه رسميًا في 9 سبتمبر الجاري، يقع على بعد 15 كيلومترًا فقط من الحدود السودانية، ويُعد أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ إثيوبيا بطاقة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب. ومنذ انطلاق أعماله قبل أكثر من عقد، ظل المشروع مثار خلاف حاد بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى، بشأن حقوق المياه وأمن السدود ومخاطر الفيضانات.