في 30 سبتمبر 2025 نفّذ جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة التابع للقوات المسلحة، صفقة استحواذ على نحو 5.06 مليون سهم في الشركة الدولية للصناعات الطبية "إيكمي" بقيمة إجمالية 22.77 مليون جنيه بمتوسط شراء 4.5 جنيه للسهم، ما يعادل حصة تقارب 8.7–8.8% بحسب بيانات البورصة والإفصاحات الرسمية.
هذه الصفقة تأتي بعد يومين فقط من رفع الجهاز حصته في شركة "المنصورة للدواجن" إلى 22.5 % في صفقة بقيمة تقارب 212.6 مليون جنيه، وهو نمط استثماري متكرر يظهر توسعًا متسارعًا في حيازات الجهاز داخل الاقتصاد المدني.
لماذا يشتري جهاز تابع للجيش شركات مدنية؟
الشرح الرسمي يعرض هذه الخطوة كجزء من "مشروعات الأمن الغذائي والتنمية" و"ترشيد الاستثمارات" في مشروعات كبرى مثل مشروع مستقبل مصر البالغ تكلفته المعلنة سابقًا مليارات الجنيهات، لكن التفسير السياسي أقرب إلى ثلاث حقائق متداخلة:
- الأول: حاجة السلطة لآليات تحكم مباشر في سلاسل الإنتاج الحيوية.
- الثاني: إحجام القطاع الخاص المحلي والأجنبي عن الاستثمار في بيئة سياسية واقتصادية غير مستقرة.
- الثالث: رغبة النظام في تحويل الأرباح والسيطرة إلى هيئات يُسيطر عليها عسكريًا لضمان دخل ثابت ومستقل.
تصريحات المؤسسات الدولية عن توسع اقتصاد العسكر؟
في مراجعتها منتصف يوليو 2025، أشار صندوق النقد إلى أن تدخلات الدولة وهيمنة القطاع العام بما في ذلك توسع الشركات المرتبطة بالقوات المسلحة، تشكل عقبة أمام الإصلاحات وتشوه إشارات السوق، وذكر التقرير صراحة أن "دور المؤسسة العسكرية في الاقتصاد يحتاج إلى تصحيح".
المراجعات الرسمية للصندوق تحدثت عن تراجع متوقع في عائدات الخصخصة وعن ضغوط على التدفقات بالعملة الصعبة نتيجة ضعف الشفافية.
هذا تحذير مالي جذري لأنه يأتي من الجهة الممولة الأساس لسياسات القاهرة في السنوات الأخيرة.
كم كبير هو اقتصاد العسكر؟
لا توجد أرقام مصرية رسمية تحصر حجم أصول الشركات العسكرية بدقة؛ لكن مراجعات وتحليلات مستقلة وبيانات صندوق النقد تشير إلى وجود عشرات إلى مئات كيانًا مرتبطًا بالمؤسسة العسكرية في قطاعات حيوية (الزراعة، الغذاء، الصناعات الدوائية، البناء، السياحة وغير ذلك).
تقرير صندوق أو تحليل مراكز بحثية وصل إلى ذكر أكثر من 97 منشأة عسكرية مملوكة تعمل في القطاعات الصناعية، مع تركيز كبير منذ 2014 فصاعدًا.
هذه الأرقام والكمّية توضح أن ما يحصل ليس مجرد استثمارات عابرة بل بيت اقتصادي متنامٍ يغيّر قواعد المنافسة.
أثر التمدد على السوق والقطاع الخاص
- تشويه المنافسة وامتيازات غير متاحة للآخرين
- تحول القوات المسلحة إلى لاعب اقتصادي كبري يوفر لها مزايا عملية، حسب تقارير متخصصة، مثل الوصول إلى أراضٍ بأسعار تفضيلية، عقود حكومية مباشرة، إعفاءات أو ميزات ضريبية وغير شفافية في سلسلة التوريد، إضافة إلى إمكانية استخدام موارد بشرية مدعومة.
النتيجة: شركات خاصة تفقد حوافز الاستثمار في قطاعات حيوية، وينشأ اقتصاد فيه طرفان، أحدهما شبه حكومي ذا قدرات تفضيلية والآخر هشّ ويخشى المنافسة.
هذا يفسر جزئيًا هروب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية أو تحويلها إلى قطاعات محددة فقط.
المستفيدون والضحية الاقتصادية
المستفيد الأول هو جهاز الدولة/القوات المسلحة نفسها: توسع أصول، إيرادات مستقرة، ونفوذ أكبر على سياسات الدولة.
المستفيد الثاني قد يكون الجهاز السياسي الذي يضمن شبكة إسناد مالي وسياسي.
الخاسر الأكبر: المواطن والقطاع الخاص الشفاف، إذ تتحول الموارد والأراضي والإسناد إلى شبكة مفضلة تقلل فرص العمل الحقيقي والتنافسية، وتزيد من عبء الدين العام والمخاطر المستقبلية للمالية العامة.
تقارير اقتصادية دولية، مثل الإيكونوميست وCarnegie طالبت بضرورة إخراج الجيش من أنشطة المدن الاقتصادية لكي تستقيم مؤشرات النمو والتحرر السوقي.
هل ثمة بدائل أو مبررات مقنعة؟
تُستشهد أحيانًا كفاءة الجيش في التنفيذ، وسرعة إنجاز المشروعات، والقدرة على تحمل المخاطر كتبريرات، لكن المحللين الاقتصاديين يردّون أن الكفاءة المؤقتة لا تعادل تكلفة الإعاقات البنيوية: تآكل المنافسة، شح الشفافية، وإمكانية استخدام الأصول لتحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل على حساب تنمية مستدامة. IMF
نفسه أشار إلى أن الحلول تتطلب مزيدًا من الخصخصة الحقيقية، شفافية الأصول، وحوكمة أفضل لعقود الدولة.
لماذا يجب أن يهم المواطن؟
صفقة شراء 5.06 مليون سهم في "إيكمي" مقابل 22.77 مليون جنيه ليست مجرد خبر بورصيّ صغير؛ هي عرض مصغر لكيف يُعاد تشكيل الاقتصاد الوطني: أصول تُجمَّع تحت مظلة عسكرية، قطاعات استراتيجية تُعاد هندستها لصالح شبكات نفوذ، ومواطن قد يتحمّل فاتورة هذا التمدد عبر تزايد الأسعار، فقدان فرص العمل الحقيقية، وانكماش المنافسة.
على صانعي القرار والصحافة والرأي العام أن يطرحوا السؤال البسيط: لأي غرض تُجمَع هذه الشركات؟ للسيادة أم لخلق طبقة اقتصادية تابعة للمنظومة؟ الإجابة تغيّر مستقبل الاقتصاد المصري