قال مهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية في حكومة الانقلاب، خلال لقاء مع رؤساء تحرير الصحف يوم 29 سبتمبر 2025، إن الزيادة المقبلة في أسعار الوقود "ستكون الأخيرة هذا العام"، وأنه "إذا حدثت الزيادة في أكتوبر فلن تكون هناك زيادة في ديسمبر 2025".
لكن هذه العبارة تتكرر بأشكال مختلفة منذ سنوات، بينما تواصل أسعار الوقود الصعود، ما يفاقم معاناة الأسر ومحترفي النقل ويؤثر على أسعار السلع والخدمات.
واقع الزيادات.. أرقام وتواريخ
منذ انقلاب 2013 وحتى 2025، شهدت السوق المصرية أكثر من عشر زيادات مباشرة في أسعار الوقود، وتسارعت الزيادات منذ 2022 مع تدهور قيمة الجنيه وارتفاع تكلفة الاستيراد.
ففي 2024 لوحدها سُجِّلت ثلاث زيادات رئيسية، وآخرها في أكتوبر 2024، وفي 11 أبريل 2025 رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسب تراوحت حتى نحو 14.8% ضمن برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي.
تشير تقديرات رسمية وغير رسمية إلى أن تكلفة دعم الوقود بقيت كبيرة رغم التخفيضات، وقدرت بعض المصادر أن الدعم استمر يكلف الخزانة ما يقرب من 10 مليار جنيه شهرياً قبل سلسلة التخفيضات.
هذه الزيادات لا تحدث بمعزل عن شروط قروض وبرامج إقراض دولية.
من يتحمّل العبء؟ (آثار على المواطن والاقتصاد)
ارتفاع أسعار الوقود يضرب جيوب المواطنين بشكل مباشر: تكاليف النقل تتحول إلى عنصر أساسي في كل سِلعة، والأسعار تتوالى، من الغذاء إلى النقل المدرسي والبضائع، بينما الأجور تبقى راكدة أو لا تواكب التضخم. رفع دعم الخبز وصدمات متتالية في سعر الصرف خلال 2024–2025 جعلت مستوى معيشة أعداد واسعة من المصريين يتراجع بشكل ملموس.
الاقتصاديون يحذرون أن سياسة رفع الدعم تدريجياً من دون شبكة حماية اجتماعية فعّالة تؤدي إلى تفاقم الفقر وعدم الاستقرار الاقتصادي على المدى المتوسط.
تصريحات سياسية واقتصادية متضاربة
رغم تأكيدات بدوي بأن الزيادة المقبلة "الأخيرة" في 2025، صدرت تصريحات سابقة لمسؤولين حكوميين بما فيها تصريحات لرئيس حكومة الانقلاب، تشير إلى أن جدول خفض الدعم وتسعير الوقود مرتبطان بحالة الأسواق العالمية ومستوى استقرار سعر الصرف، وبشروط اتفاقيات مع جهات مانحة مثل صندوق النقد الدولي.
حكومة الانقلاب تستعمل "الإنفاق العام والدعم" ورقة تفاوض لصالح شركات ومشاريع مرتبطة بالدوائر المقربة من السلطة بدل حماية المواطن.
تقارير تحليلية عربية وأجنبية ربطت بين سياسة التسعير وإملاءات برامج التمويل الخارجي، وكذلك بتراجع عائدات قناة السويس واضطرابات الملاحة في البحر الأحمر التي ضاعفت فاتورة الاستيراد.
لماذا لا يرحمون المواطن؟
- سياسة اقتصادية مؤسسية: الاعتماد على رفع الأسعار الخارجية للسوق بدلاً من إصلاحات ضريبية عادلة أو تحسين تحصيل الضرائب على رأس المال.
- هيمنة مصالح اقتصادية مرتبطة بالجيش والدولة: اتهامات متكررة بأن امتيازات لشركات مُقَرَّبة تقلل الحافز لإصلاحات تضمن توزيع أعباء أكثر عدلاً.
- شروط المقرضين الدوليين: القروض الكبيرة ومن بينها توسيع برامج الصندوق تأتي مع توقعات تقليل دعم الوقود كشرط للإصلاح المالي.
- انخفاض الإيرادات: تأثيرات الحرب الإقليمية والعودة المتقطعة لسياحة ما قبل الأزمة وأمن الممرات البحرية انعكست على موارد الدولة، فتم تحميل المواطن العبء.
تقارير دولية تشير صراحة إلى أن جزءاً من سياسة رفع الأسعار مرتبطة بتقليص العجز المالي واستمرار تدفق التمويل.
المواطنون والاقتصاديون يطالبون بشفافية كاملة حول معايير التسعير، وبإنشاء شبكة حماية اجتماعية تضمن الدعم للفئات الأفقر نقداً أو عبر بطاقات استهداف، وبإجراءات لمكافحة الاحتكار وتحسين كفاءة تحصيل الضرائب على الدخل الكبير والشركات بدلاً من نقل العبء إلى الوقود والمحروقات، كما يطالب المجتمع المدني بتقارير دورية عن تكلفة الدعم ومصير عائداته.
وعود متكررة.. وثقة تتآكل
يُختم كلام وزير البترول بأن الزيادة الأخيرة هذا العام، لكن التاريخ القريب يظهر أن وعود النهائيات تنكسر أمام واقع اقتصادي وسياسي مركب.
تحت حكم قائد الانقلاب العسكري استمرت سياسة رفع الأعباء عن قطاعات محددة وحميلها على المواطنين، ما ينعكس في ضغوط تضخمية ومعيشية لا تنفك تتصاعد، وستظل كل الزيادة الأخيرة مجرد وعد لحظةٍ، وعبء المواطن يزداد فعلاً.