أعلن الرئيس التنفيذي لشركة جيوان الإماراتية أن شركته سترفع عدد فنادقها في مصر إلى 11 فندقا بحلول نهاية عام 2025، مع استهداف أن تمثل السوق المصري 30% من إيراداتها بحلول 2028.
هذا التوسع يأتي في إطار حركة أوسع للاستثمارات الإماراتية التي دخلت بقوة في الاقتصاد المصري منذ تولي عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2013.
الإمارات تواصل السيطرة على قطاعات حيوية تشمل الأمن الغذائي، الأراضي المملوكة للدولة، وموانئ استراتيجية على البحر المتوسط والبحر الأحمر، بما فيها ميناء أبو قير، أحد أكبر المشاريع في الجيل الخامس للتنمية في مصر.
الإماراتيّون لا يقتصرون على الاستثمارات العقارية والفندقية فقط، بل دخلوا قطاع الاتصالات، البنوك، وشركات الأدوية، مما جعلهم يحتلون موقعاً محورياً في الاقتصاد المصري.
تحوّل في بنية الملكية.. من الدولة إلى الشريك الخليجي
خلال 2024 أعلن الجانب الإماراتي اتفاقيات ضخمة مع القاهرة، أبرزها صفقة تطوير شبه جزيرة رأس الحكمة، على البحر المتوسط بقيمة مبدئية 35 مليار دولار، أبلغت الحكومة أنها ستجلب سيولة مباشرة للبنك المركزي وتحوّل ودائع إلى استثمارات طويلة الأجل.
هذه الصفقات تُظهر أن الدولة المصرية باتت تلجأ لبيع حقوق تطوير أراضٍ استراتيجية مقابل سيولة آنية ووعود تنموية، بدلاً من سياسة استثمار وطنية مستقلة.
من يتحكّم بالاقتصاد؟ سيولة أم سيطرة استراتيجية؟
منذ إعلان صفقة الـ35 مليار دولار تغيّرت ميزانيات التدفقات الأجنبية: تقارير مركزية أولية أشارت إلى ارتفاع ضخٍ للاستثمارات الإماراتية في السنة المالية 2024 ما أعطى الاقتراحات بأن الاقتصاد المصري بات يعتمد اعتمادًا متزايدًا على رأس مال سيادي خليجي لاحتواء أزمته النقدية.
هذا التحوّل يفتح سؤالين: هل الأموال مجرد حقنة إنقاذ مؤقتة أم بوابة لتمدد نفوذ اقتصادي وسياسي؟ كثير من المراقبين يرون أن تحويل ودائع ضخمة إلى مشاريع طويلة الأجل يمنح المستثمر الأجنبي قدرة على التأثير في القرارات الحكومية على مستوى التخطيط العمراني والقطاعي.
القطاع السياحي: نمو بأرقام.. ولكن لصالح من؟
تُعيد تصريحات وزير السياحة أحمد عيسى وخطط الحكومة لـ30 مليون سائح بحلول 2028، ترتيب الأولويات نحو استقطاب المزيد من الفنادق والمنتجعات الفاخرة، وهو ما تروّج له شركات مثل "جيوان".
لكن النمو في غرف الفنادق وإيرادات السياحة لا يعني بالضرورة تطويرًا مستدامًا للاقتصاد المحلي: جزء كبير من الأرباح يُعاد إلى الشبكات الاستثمارية الأجنبية عبر عقود إدارة وتشغيل أو اتفاقيات امتياز، بينما تبقى الوظائف الموسمية وأجور العاملين المحلية أقل أثرًا في تحويلات الدخل.
دلائل اقتصادية.. أرقام وأثمان السياسات
- صفقة راس الحكمة: إعلان فبراير 2024 (35 مليار دولار، واحتفاظ الحكومة بحصة 35% بحسب البيان الرسمي).
- تحرك مؤسسات سيادية خليجية: تقارير تُظهر نشاطًا مكثفًا لصناديق الثروة الخليجية ADQ، مبادلة، وغيرها في صفقات بنحو عشرات المليارات منذ 2023-2024.
- توسّع عروض الشركات الإماراتية: تصريح أحمد حسيب عن خطط إدارة فنادق (9 فنادق جديدة قبل نهاية 2025)
إفلاس السياسات المحلية أم خيار قسري؟
يمكن قراءة هذا التمدد الإماراتي بطريقتين متصلتين:
أولا: فشل السياسات الاقتصادية للسلطة الحالية في إنتاج سيولة كافية وبيئة استثمارية مستقلة، مما أجبرها على التسليم بحقوق تنموية واسعة مقابل تمويل فوري.
ثانياً: أن تحالفات النخبة الاقتصادية الحاكمة مع رؤوس الأموال الخليجية خلقت نموذجًا اقتصادياً يربط بين بقاء النظام والسيولة الخارجية، فتصبح المصالح السياسية أداة لتأمين استثمارات ليست بالضرورة في مصلحة الأغلبية الشعبية.
السلطات الرسمية تسوّق الصفقات كـ"إنقاذ اقتصادي وفرص تنمية" تصريحان لرجال حكومة مفيدا بأن الشق الأول من دفعات الاستثمار سيودع في البنك المركزي لتصحيح فجوة العملة الصعبة.
بالمقابل، محللون مستقلون ونشطاء اقتصاديون حذروا منذ 2024 من أن تحويل ودائع لبنود استثمارية طويلة الأمد يُعدّ إعادة هيكلة للديون الخارجية على شكل سيطرة استثمارية.
تقارير صحفية دولية وصفت الصفقة بأنها طوق نجاة سياسي واقتصادي للنظام الحاكم.
لماذا يتوسع النفوذ الإماراتي في مصر؟
يرى خبراء أن النفوذ الإماراتي في مصر يرتكز على استراتيجيات الاستثمار في القطاعات الحيوية ومحاولة التحكم في الاقتصاد الأكبر عربياً.
الإمارات تحاول تعويض تراجع دور السعودية الإقليمي في ظل توجه الرياض نحو "رؤية 2030".
الإمارات تراقب بعناية الفرص في أكبر أسواق المنطقة والعمل على شراء الأصول والسيطرة على الموانئ رأسية الأهمية.
هذه المشاريع الاستثمارية ليست مجرد استثمارات اقتصادية، بل هي أدوات نفوذ دبلوماسي وسياسي تضع القاهرة في وضع تابع لها.
كذلك توجد اتهامات لاستخدام الإمارات لآليات غير شفافة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي المصري بما يخدم مصالحها على المدى الطويل.
فأسباب التوسع متعددة ومترابطة: وجود سيولة نقدية لدى صناديق خليجية، حاجة القاهرة إلى تدفق عملات صعبة عاجلة، استراتيجية إماراتية لتوسيع محفظة استثماراتها السياحية والعمرانية في المنطقة، وتبادل مصالح بين نخب سياسية واقتصادية.
النتيجة العملية: ملفات سيادية وأراضٍ استراتيجية دخلت في شراكات بعيدة المدى، ما يثير تساؤلات مشروعة عن سيادة القرار الاقتصادي وغياب شفافية كافية حول شروط هذه الصفقات.
الاقتصاد المصري يعاني من تبعية متزايدة للخليج وخاصة الإمارات التي تستحوذ على قطاعات استراتيجية، في ظل حكم عبد الفتاح السيسي الذي حقق بعض الاستقرار الاقتصادي على حساب الحريات المدنية وازداد الدور العسكري في الاقتصاد، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الاقتصاد والسيادة في مصر.