في 28 سبتمبر 2025 نفذ جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة "ذراع عسكري مرتبط بالقوات الجوية" صفقة شراء نحو 111.103 مليون سهم في شركة المنصورة للدواجن ما رفع حصته من 4.77 % إلى 22.54% بقيمة إجمالية تقارب 212.6 مليون جنيه وبمتوسط سعر 1.91 جنيه للسهم الواحد.
هذه الخطوة ليست حدثًا معزولًا بل جزء من توسّع متسارع للذراع الاقتصادية العسكرية في قطاعات حيوية، وتطرح تساؤلات حول الأسباب الحقيقية والمستفيد منها.
أعلنت شركة المنصورة للدواجن إفصاحًا إلى البورصة بأن جهاز "مستقبل مصر" اشترى الحصة المذكورة يوم 28 سبتمبر 2025 عبر وسيط لتداول الأوراق المالية، مخصّصًا مبلغًا يقارب 213 مليون جنيه للاستحواذ على نسبة تتخطى العُشر من رأس المال.
الرقم والوقت واضحان: صفقة كبيرة ومفاجئة بالنسبة لمتوسط ملكيات ذراع سيادي في مثل هذا النشاط.
لماذا الآن؟ دوافع رسمية وغير رسمية
القراءة الرسمية قد تقول إن الهدف تأمين وسيلة لإنتاج غذاء مدعوم، أو حماية سلسلة إمداد استراتيجية (دواجن، زيوت، قمح) في ظل ضغوط الاستيراد والتضخم، لكن الواقع السياسي والاقتصادي يشير إلى دوافع أعمق:
- تعزيز السيطرة الاقتصادية للعسكر: جهاز "مستقبل مصر" ظهر منذ 2022 كذراع توسّعي للاستحواذ على أراضٍ وشركات، ما يعكس نموذج الدولة داخل الدولة الذي يوسّع الاحتكارات العسكرية.
- إعادة توجيه الموارد والربح إلى دوائر قريبة من السلطة: امتلاك حصص في شركات مُدمجة عموديًا مثل المنصورة للدواجن يفتح قنوات إمداد وبيع بأسعار وتحكّم في السوق بضمانات غير متاحة للقطاع الخاص.
من المستفيد؟
المستفيد الأول هو الذراع العسكري نفسه؛ يملك ميزة تنافسية (دخول أسواق، عقود حكومية، منصات توزيع، إمكانية تفضيل منتجاته في المشتريات الحكومية).
المستفيد الثاني هو دائرة السلطة السياسية التي تستفيد سياسياً من التحكم في سلع استراتيجية (الخبز والدواجن والزيوت) خلال فترات ضغط معيشى، ما يتيح ربط استقرار الأسعار بصورة مباشرة بالجهة التي يقودها نظام قائد الانقلاب العسكري.
المتضررون هم المستثمرون والمنتجون الخاصون والمستهلكون الذين يواجهون منافسة لا متكافئة واحتمال تحكم في الأسعار والكمية.
آثار اقتصادية سلبية محتملة
الاستحواذ العسكري المتزايد يقود إلى تشويه إشارة السوق: شركات مرتبطة بالعسكر قد تحصل على تسهيلات ضريبية أو تمويلية أو عقودًا حكومية، ما يخلق عائقًا أمام استقطاب الاستثمار الخاص والأجنبي.
بعد تحذيرات صريحة من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي بشأن مخاطر هيمنة الجيش على الاقتصاد وتأثيرها على القطاع الخاص، فإن استمرار هذا المسار قد يقلّل من ثقة المستثمر ويزيد من صعوبة إصلاحات هيكلية مطلوبة للنمو المستدام.
تصريحات واقعية تعكس القلق
قال رجال أعمال واقتصاديون بارزون سابقًا إن مصر بحاجة لإعادة النظر في مشاريع ضخمة وممارسات تزيد الطلب على العملة الصعبة وتضعف بيئة الأعمال؛ مثال واضح تصريح نجيب ساويرس في فبراير 2025 الذي دعا لمراجعة المشروعات العملاقة الممولة عسكريًا لتقليل ضغط العملة الصعبة والسيولة.
مثل هذه الأصوات تسلط ضوءًا على أن التوسع العسكري في الأعمال لا يرد بالضرورة على حاجات السوق بل يخدم نمط إنفاق سياسيًا.
علاقة جهاز "مستقبل مصر" بسياسات الأمن الغذائي
الجهاز لم يقتصر على الدواجن فقط؛ في سبتمبر 2025 تعاقد على شحنات زيوت نباتية وقام بدور مشتري للحبوب والقمح، ما يوضح تحوّلًا إلى لاعب مركزي في أسواق السلع الأساسية، هذا التداخل ((الدولة مع الجهاز)) سوق يهدد شفافية الشراء والأسعار ومنطق المنافسة.
لماذا تتعمد حكومة الانقلاب السيطرة؟
التحكّم بقطاعات استراتيجية يوفر للسلطة؛ أدوات اقتصادية لتمتين السيطرة السياسية، قنوات توزيع للمنافع الاجتماعية المؤقتة، ومصدرًا للعائدات خارج نظم المحاسبة المدنية.
أمام المواطنين، هذا يعني أن السوق يفقد استقلاليته، والمنافسة تُستبدل بقرارات سياسية ما يزيد هشاشة الاقتصاد ويقلّل فرص الفاعلين المدنيين.
انتهاج هذا النهج على المدى المتوسط يهدد النمو الحقيقي ويعزّز التفاوت والاحتكار ولا يخدم سوى طبقة ضيقة مرتبطة بمركز القوة.