شهدت مدن مغربية عديدة، منذ يوم الجمعة الماضية، خروج آلاف الشباب إلى الشوارع في مظاهرات سلمية عُرفت باسم “انتفاضة جيل زاد Z”، بعد دعوات أطلقها ناشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي، احتجاجًا على تفاقم البطالة وتردي الخدمات العمومية واستمرار غياب العدالة الاجتماعية. وبينما رفع المحتجون شعارات تُطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد، قوبلت التحركات الشعبية بردّ أمني عنيف شمل اعتقالات واسعة وتوثيق حالات تعنيف، ما فجّر موجة غضب حقوقي محلي ودولي.

 

قمع ممنهج وردود فعل غاضبة

وفق تقارير حقوقية، لجأت السلطات المغربية إلى تطويق الميادين العامة ومنع التجمعات، ثم استخدام القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين. وأعلنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) في بيان لها أن “العشرات من الشباب تعرضوا للاعتقال العشوائي والضرب والتعنيف الجسدي واللفظي”، واعتبرت ما جرى “انزلاقًا أمنيًا خطيرًا يهدد استقرار البلاد”.

الهيئة المغربية لمساندة المعتقلين السياسيين استنكرت بدورها ما وصفته بـ”التعنيف غير المبرر واستعراض القوة المبالغ فيه”، مؤكدة أن الاعتقالات جرت في ظروف انتقامية وتعسفية. أما شبيبة “اليسار الديمقراطي” فوصفت ما جرى بأنه “فضيحة حقوقية وسياسية”، محمّلة الدولة كامل المسؤولية عن سلامة المحتجين، وداعية إلى الإفراج الفوري عن جميع الموقوفين.

 

احتجاجات رقمية تتحول إلى الشارع

ما يميز هذه الموجة أنها جاءت من رحم الفضاء الرقمي، إذ انطلقت الدعوات للتظاهر عبر منصات “تيك توك” و”إنستغرام” و”إكس”، في إطار حراك شبابي جديد يقوده جيل تتراوح أعمار أفراده بين 18 و30 سنة.

هذا الجيل، الملقب بـ“جيل Z”، وجد في الشبكات الاجتماعية مساحة للتعبئة والتنظيم ونشر خطاب متمرد على التهميش والصمت. لذلك، لم تكن المطالب عابرة: إصلاح التعليم العمومي، تحسين المنظومة الصحية، خلق فرص عمل للشباب العاطل، محاربة الفساد، ووقف غلاء الأسعار.

ويقول مراقبون إن ما يحدث يمثل تحديًا مباشرًا للنظام، إذ يعكس فشل السياسات الحكومية في امتصاص الغضب الاجتماعي، مقابل تصاعد جيل أكثر وعيًا بحقوقه وأكثر قدرة على التنظيم خارج أطر الأحزاب والنقابات التقليدية.

 

سياق محتقن وموجات غضب متعددة

تأتي هذه الاحتجاجات في ظل أوضاع اجتماعية متدهورة. فقد سبق أن خرج الأطباء والعاملون في المستشفيات ضمن “حراك المستشفيات” احتجاجًا على انهيار المنظومة الصحية. كما شهدت الجامعات والمدارس وقفات ومسيرات من أساتذة وطلاب رفضًا للسياسات التعليمية.

إلى جانب ذلك، تتواصل احتجاجات أسبوعية ضد التطبيع مع إسرائيل، ما يعكس اتساع رقعة الغضب الشعبي على أكثر من صعيد.

المشهد العام، وفق محللين، يعكس تراكم أزمات اجتماعية واقتصادية عميقة، في مقابل غياب استجابات حكومية جادة، بل ولجوء النظام إلى أسلوب “التجاهل والصمت”، حيث لم تصدر أي توضيحات رسمية بشأن الاعتقالات أو العنف المفرط، وهو ما زاد من الانتقادات داخليًا وخارجيًا.

 

مراقبة دولية وتقارير مقلقة

منظمات دولية كـ هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية سبق أن دقت ناقوس الخطر بخصوص تدهور أوضاع الحقوق والحريات في المغرب. وفي تقريرها السنوي لعام 2025، أكدت “هيومن رايتس ووتش” أن الدولة المغربية “تستخدم الأجهزة الأمنية والقضائية لتكميم المعارضة”، بينما وصفت منظمة العفو الدولية الوضع الحقوقي بأنه “مقلق ومتدهور”.

هذه التقارير تزامنت مع المشاهد الأخيرة، مما جعل ملف المغرب الحقوقي تحت أنظار المراقبين الدوليين بشكل أكبر، خصوصًا بعد التوثيق المصور لاعتقالات وضرب محتجين سلميين.

 

جيل Z يكسر الصمت

ما يجري ليس مجرد احتجاج عابر، بل هو مؤشر على تحولات اجتماعية عميقة. فجيل Z، الذي نشأ في عالم رقمي مفتوح على التجارب العالمية، لم يعد يقبل بمنطق الصمت أو الشعارات الرسمية. هذه الفئة ترى في نفسها قوة تغيير، وتملك أدوات حديثة للتعبئة، يصعب على الدولة السيطرة عليها بنفس أدوات الماضي.

لكن بالمقابل، يصر النظام على اعتماد مقاربة أمنية قديمة، تقوم على القمع والاعتقالات والتخويف. ويرى محللون أن هذا الخيار قد يؤجل الانفجار لكنه لن يمنعه، إذ أن “كرة الثلج” مرشحة للتوسع إذا استمر تجاهل المطالب الأساسية للشباب.

وأخيرا فإن انتفاضة جيل Z في المغرب تعكس لحظة فارقة: شباب يرفعون صوتهم عاليًا ضد البطالة والفساد وتردي الخدمات، في مواجهة سلطة متمسكة بالمقاربة الأمنية. الرسالة واضحة: المجتمع المغربي، خاصة شبابه، لم يعد يقبل بسياسات التجاهل والتهميش. ويبقى السؤال: هل يلتقط النظام هذه الرسائل ويتجه نحو الإصلاح والانفتاح، أم يصر على القمع بما يهدد بانفجار اجتماعي أكبر في قادم الأيام؟