تشهد منطقة العلمين الجديدة واحدة من أبرز الأزمات العمالية في الآونة الأخيرة، بعدما أطلق عمال الشركة الصينية العاملة في مشروعات الإنشاءات هناك استغاثة عاجلة للجهات المسؤولة، عقب تأخر صرف رواتبهم ويومياتهم لفترات تجاوزت الـ45 يومًا، وهو ما لا يستطيع العامل تحمله في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع تكاليف المعيشة.
 

معاناة يومية وصرخات مكتومة
بحسب شكاوى العمال، فإن رواتبهم تتأخر أحيانًا لأسابيع وأحيانًا أخرى لشهور، ما يضعهم أمام مأزق حقيقي في تدبير احتياجات أسرهم اليومية. كثيرون من العمال أكدوا أنهم يضطرون للاقتراض لسد الفجوة بين الدخل والالتزامات، في وقت تتضاعف فيه أسعار المواد الغذائية والإيجارات والمواصلات.

ويقول أحد العمال: "نحن نعمل من الفجر حتى الغروب، ومع ذلك لا نستطيع الحصول على حقنا في الوقت المناسب. كيف سنستمر في العمل ونحن لا نجد ما نطعم به أولادنا؟"

 

مخالفة واضحة للقانون
ينص قانون العمل المصري على ضرورة التزام الشركات بصرف مستحقات العمال في مواعيد محددة، باعتبار الأجر حقًا مقدسًا لا يجوز المساس به. غير أن ممارسات الشركة الصينية تكشف عن غياب الرقابة الفعالة وضعف آليات المحاسبة. هذا التأخير المتكرر في صرف الرواتب يمثل انتهاكًا صارخًا للقانون ويعكس استهانة بحقوق العمال الذين يشكلون العمود الفقري لأي مشروع تنموي.
 

مشروعات قومية على أكتاف مثقلة
تأتي هذه الأزمة في وقت تعول فيه الدولة على مشروعات مدينة العلمين الجديدة باعتبارها أحد المشاريع القومية الكبرى التي تستهدف جذب الاستثمارات وتخفيف الضغط عن المدن القديمة. غير أن إنجاز هذه المشروعات يعتمد بالأساس على العمالة التي تتحمل عبء العمل الشاق في مواقع البناء والإنشاء. وإذا استمر تهميش حقوق هؤلاء العمال، فإن المشروع برمته قد يفقد زخمه ويعاني من تأخيرات لا مفر منها.
 

غياب النقابات المستقلة
من أبرز ما يزيد الأزمة تعقيدًا هو غياب الدور الحقيقي للنقابات العمالية المستقلة التي كان يمكن أن تدافع عن حقوق العمال وتضغط على الإدارة لضمان صرف الرواتب بانتظام. النقابات الرسمية غالبًا ما تصمت أو تكتفي ببيانات شكلية، ما يترك العامل وحيدًا في مواجهة شركة كبرى تمتلك من النفوذ والموارد ما يجعلها بعيدة عن المساءلة.
 

أبعاد اجتماعية خطيرة
الأزمة لا تقف عند حدود تأخير الرواتب، بل تتجاوزها لتنعكس على حياة أسر بأكملها. فالعامل الذي لا يتقاضى راتبه في موعده يعجز عن دفع إيجار منزله أو سداد أقساط التعليم أو العلاج. هذا الوضع يولد حالة من الغضب والإحباط، ويهدد الاستقرار الاجتماعي في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كل أشكال التضامن والهدوء لمواجهة التحديات الاقتصادية.
 

أسئلة مشروعة حول المسؤولية
تطرح هذه الأزمة تساؤلات عديدة: أين دور وزارة القوى العاملة في حماية حقوق هؤلاء العمال؟ وأين الأجهزة الرقابية التي يفترض أن تراقب التزام الشركات الأجنبية العاملة في مصر بالقوانين المحلية؟ ولماذا يُترك العمال في مواجهة غير متكافئة مع شركات تتربح من عرقهم بينما لا يحصلون هم على أبسط حقوقهم؟
 

مطالب عاجلة
يطالب العمال بسرعة التدخل لصرف كافة مستحقاتهم المتأخرة، ووضع جدول زمني واضح يضمن انتظام صرف الرواتب مستقبلاً، مع فرض رقابة صارمة على الشركات العاملة في العلمين الجديدة وغيرها من المشروعات القومية. كما يطالبون بتفعيل دور النقابات، والسماح بإنشاء لجان عمالية حقيقية تدافع عن حقوقهم وتضمن التوازن في العلاقة بين صاحب العمل والعامل.
 

أزمة تكشف الخلل
تكشف أزمة عمال الشركة الصينية بالعلمين الجديدة عن خلل عميق في منظومة إدارة المشروعات القومية. فالمشروعات لا تُقاس فقط بحجم الاستثمارات أو المباني التي تُشيَّد، بل أيضًا بمدى احترامها لحقوق الإنسان العامل الذي يضع اللبنات الأولى لهذه الإنجازات. وإذا لم تُحل الأزمة سريعًا، فإنها لن تبقى مجرد مشكلة عمالية، بل ستتحول إلى مؤشر على فشل الإدارة في تحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام بالقوانين.

الخلاصة أن أزمة عمال الشركة الصينية بالعلمين الجديدة ليست مجرد مشكلة رواتب متأخرة، بل هي انعكاس لمشهد أوسع من ضعف الرقابة، وتهميش حقوق العمال، وغياب آليات المحاسبة. معالجة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية حقيقية لتصحيح الخلل، وضمان أن يكون العامل شريكًا في التنمية لا ضحية لمشاريع عملاقة تبنى على أكتافه المنهكة.