شهدت البورصة المصرية مؤخرًا صفقة لافتة أثارت نقاشًا واسعًا بين خبراء الاقتصاد والمراقبين؛ إذ رفع جهاز "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" حصته في أسهم رأسمال شركة المنصورة للدواجن من 4.77% إلى 22.54%، عبر شراء 111.03 مليون سهم بقيمة 212.64 مليون جنيه، بمتوسط سعر 1.91 جنيه للسهم. وفي المقابل، تخارج المساهم سيف محمود جاب الله من كامل حصته البالغة 8.55%.

هذه الصفقة لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق الأوسع الذي يتسم بتوسع الأجهزة السيادية والعسكرية في مصر في قطاعات الغذاء الاستراتيجية، وعلى رأسها اللحوم البيضاء والحمراء والأراضي الزراعية.
 

دواجن تحت السيطرة
تأتي خطوة "مستقبل مصر" في وقت حققت فيه المنصورة للدواجن قفزة في أرباحها بنسبة 68% خلال الربع الأول من العام الجاري (45.68 مليون جنيه مقابل 27.09 مليون جنيه في الفترة المماثلة من العام الماضي). كما ارتفعت الإيرادات إلى 262.7 مليون جنيه مقارنة بـ158.8 مليون قبل عام.

وبالتوازي، أعلنت الشركة عن خطط توسعية ضخمة:

  • زيادة الطاقة الإنتاجية 140% لتصل إلى 4.8 مليون طائر سنويًا مقابل مليونَي طائر فقط حاليًا.
  • شراء مزرعة جديدة بالنوبارية على مساحة 52.5 ألف متر مربع، بقيمة 31.4 مليون جنيه، مع استثمارات إضافية تصل إلى 100 مليون جنيه لإعادة الهيكلة والتشغيل.
  • تأسيس شركة مشتركة في الإمارات مع مجموعة "الشرقية المتحدة"، بنسبة مشاركة 60% إماراتية و40% مصرية، لإنتاج بيض المائدة وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

هذه التحركات توضح أن السيطرة على قطاع الدواجن لم تعد مقتصرة على المستثمرين التقليديين أو رجال الأعمال المحليين، بل أصبحت جزءًا من استراتيجية مؤسسية تقودها أجهزة الدولة، تضمن التحكم في إنتاج الغذاء من المزرعة وحتى مائدة المستهلك.
 

عسكرة الاقتصاد واحتكار الغذاء
يطرح توسع الأجهزة السيادية في مجال الدواجن تساؤلات حول عسكرة الاقتصاد، وهو مصطلح يشير إلى تمدد المؤسسات العسكرية أو التابعة لها في قطاعات اقتصادية مدنية، بحيث تصبح لاعبًا مهيمنًا يملك رأس المال والأصول، ويستفيد من الإعفاءات والامتيازات الضريبية والإدارية.

في حالة قطاع الغذاء، يتجلى هذا في:

  • احتكار الأراضي الزراعية: حيث تسيطر أجهزة الدولة على مساحات واسعة ضمن مشروعات مثل "مستقبل مصر"، ما يتيح إنتاجًا ضخمًا من المحاصيل العلفية والحبوب.
  • التكامل الرأسي: من زراعة الأعلاف إلى إنتاج الدواجن واللحوم وتصنيعها وتوزيعها عبر المنافذ التابعة للقوات المسلحة.
  • المنافسة غير المتكافئة: إذ يجد المستثمرون الصغار والمتوسطون أنفسهم في مواجهة كيانات ضخمة مدعومة بامتيازات غير متاحة لهم، ما يهدد التنوع والاستدامة في السوق.

 

من الأمن الغذائي إلى السيطرة السياسية
رسميا، تبرر الحكومة والأجهزة المعنية هذا التوسع بأنه يهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي، وخفض فاتورة الاستيراد، وحماية السوق من تقلبات الأسعار العالمية. لكن مراقبين يرون أن الأمر يتجاوز البُعد الاقتصادي إلى بعد سياسي استراتيجي؛ فالتحكم في الغذاء – خصوصًا الدواجن واللحوم – يمنح سلطة استثنائية على المجتمع، في بلد يشهد تضخمًا مرتفعًا وتراجعًا في القوة الشرائية.

بعبارة أخرى، فإن السيطرة على "قوت الشعب" لا تمثل فقط مشروعًا استثماريًا، بل أداة لضبط التوازنات الاجتماعية والسياسية، حيث يمكن استخدام منافذ البيع التابعة للدولة في ضبط الأسعار وامتصاص الغضب الشعبي عند الأزمات، بينما يتقلص دور القطاع الخاص المستقل.
 

أثر على المنافسة والسوق
من الناحية الاقتصادية البحتة، يثير دخول "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" بقوة إلى قطاع الدواجن مخاوف من:

  • تراجع دور المستثمرين الأفراد الذين لا يستطيعون مجاراة استثمارات بمئات الملايين.
  • اختلال المنافسة، حيث تستفيد الكيانات العسكرية من إعفاءات ورسوم تفضيلية في الجمارك والضرائب.
  • مخاطر الاحتكار على المدى الطويل، ما قد يؤدي إلى تراجع جودة المنتجات وارتفاع الأسعار، بعكس الشعارات المرفوعة.

وفي النهاية، فصفقة استحواذ "مستقبل مصر للتنمية المستدامة" على حصة مؤثرة في "المنصورة للدواجن" تكشف عن اتجاه متسارع نحو عسكرة الاقتصاد عبر السيطرة على حلقات حيوية من سلسلة الغذاء: الأراضي، الأعلاف، الدواجن، اللحوم، والتوزيع. وبينما يُسوّق هذا التوجه باعتباره حماية للأمن الغذائي، يرى منتقدون أنه يرسخ احتكار الدولة والجيش لمفاصل الاقتصاد، ويهمّش القطاع الخاص والمنافسة الحرة، ما قد يضر على المدى الطويل بمرونة السوق ويضاعف التبعية المجتمعية للسلطة.