منذ ثلاث سنوات، أطلقت حكومة مصطفى مدبولي وعودها البراقة حول "السكن البديل" للأهالي الذين تم تهجيرهم قسرًا بعد هدم منازلهم في منطقة محور عمرو بن العاص بالقاهرة. قالت الحكومة وقتها إن المشروع خطوة نحو "تطوير العشوائيات" وتحسين حياة المواطنين، وإن كل متضرر سيحصل على وحدة سكنية جديدة مجهزة. لكن الواقع يكشف اليوم أن هذه الوعود لم تكن سوى أكاذيب دعائية، فيما لا يزال مئات الأسر يعيشون على الهامش، يدفعون إيجارات مرهقة بعدما فقدوا بيوتهم، دون أن يلمسوا أي أثر لمشاريع "التطوير" التي تحدث عنها المسؤولون.
 

ثلاث سنوات من الوعود... والناس في الشارع
الأهالي الذين هُدمت بيوتهم عام 2021 كانوا يظنون أنهم على أعتاب حياة أفضل، كما بشرتهم الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية. لكن بعد ثلاث سنوات كاملة، لم يتسلموا شيئًا، واضطر معظمهم لاستئجار شقق بأسعار مضاعفة وسط أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع جنوني في الإيجارات.
https://www.tiktok.com/@rassdnewsnn/video/7553631789697305877

الوعود الكاذبة جعلت كثيرًا منهم يصفون ما جرى بأنه "خديعة كبرى". فالحكومة لم تكتفِ بهدم البيوت وتشريد الأسر، بل تخلت عن التزاماتها بتسليم السكن البديل، تاركة الناس في مواجهة المجهول.
 

"تطوير العشوائيات" أم تهجير قسري؟
المفارقة أن حكومة مدبولي قدّمت ما حدث باعتباره جزءًا من "خطة تطوير العشوائيات"، بينما الحقيقة أن التهجير تم بالقوة، وبلا بدائل فورية، ما يتعارض مع أبسط حقوق المواطنين في السكن الآمن.

زهدي الشامي، الخبير السياسي والاقتصادي، كتب عبر صفحته تعليقًا على الأزمة، أكد فيه أن ما يحدث ليس تطويرًا وإنما تهجير قسري تحت مسمى "التنمية".
وأضاف أن الحكومة "تستخدم هذه المشاريع كوسيلة للدعاية وإرضاء السيسي، دون أي اعتبار لمعاناة الأهالي الذين تُركوا ثلاث سنوات في الشارع".
 

الإيجارات نار... والمواطن الضحية
الأهالي الذين كانوا يسكنون بيوتًا بسيطة، اضطروا للانتقال إلى شقق إيجار جديد بأسعار مرتفعة. ومع موجات الغلاء المتلاحقة، أصبحت الإيجارات عبئًا لا يُطاق.
بعض الأسر اضطرت للانتقال إلى مناطق نائية بعيدة عن مدارس الأطفال وأماكن عملهم، ما ضاعف معاناتهم اليومية.

إحدى السيدات المتضررات وصفت الموقف بمرارة: "كنا عايشين مستورين في بيوتنا. دلوقتي بندفع إيجار جديد كل شهر، والعيال مش لاقية مواصلات تروح المدرسة. الحكومة وعدتنا بسكن بديل وما شوفناش غير الوعود الكذابة".
 

وعود مدبولي... بلا رصيد
حكومة مدبولي اعتادت إطلاق وعود كبيرة بلا رصيد على أرض الواقع. فمن "القضاء على العشوائيات" إلى "مشاريع الإسكان العملاقة"، ظل الإعلام يروج لإنجازات وهمية، بينما الحقيقة يلمسها المواطنون في شوارعهم: غلاء، بطالة، وتهجير بلا بدائل.

ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي، يرى أن أزمة السكن البديل تكشف "جوهر السياسات الحكومية القائمة على الدعاية لا على التخطيط".
ويضيف أن "هدم البيوت دون توفير بديل فوري جريمة اجتماعية واقتصادية، لأنها لا تترك الأسر بلا مأوى فقط، بل تدفعهم إلى فقر مدقع".
 

أين العدالة الاجتماعية؟
السؤال الذي يطرحه كثير من المتابعين: كيف تدّعي الحكومة أنها تطور حياة المواطنين بينما تعجز عن تسليم وحدات سكنية وعدت بها منذ ثلاث سنوات؟
أين ذهبت المليارات التي خُصصت لهذه المشاريع؟ ولماذا يتم التركيز على مشاريع استعراضية مثل العاصمة الإدارية بينما يُترك البسطاء في الشارع؟

الحقيقة أن الأولوية لم تكن يومًا للعدالة الاجتماعية أو تحسين حياة الفقراء، بل كانت دائمًا لتلميع صورة النظام أمام الكاميرات.
 

فضيحة جديدة لحكومة مدبولي
قصة "السكن البديل" في محور عمرو بن العاص تكشف مجددًا أن الحكومة لا ترى في المواطنين سوى أداة للدعاية. الوعود الكاذبة، والتجاهل لمعاناة الأسر، وغياب أي رؤية حقيقية للتنمية، كلها تؤكد أن ما جرى لم يكن تطويرًا بل تشريدًا منظمًا.

وبينما يعيش الأهالي في شقق إيجار يطاردهم شبح الطرد والإفلاس، يستمر مدبولي ووزراؤه في الحديث عن "الإنجازات" و"المشاريع العملاقة".
لكن الحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أن هؤلاء المتضررين هم الوجه الآخر لسياسات فاشلة لا تضع المواطن في الحسابات.