في أحدث حلقات مسلسل "المشاريع الوهمية"، خرج وزير الموارد المائية والري بتصريحات تلفزيونية يؤكد فيها أن مشروع تطوير واحة سيوة هو "مشروع بيئي من الدرجة الأولى"، مضيفًا أن الحكومة لا تقطع الأشجار كما يروّج البعض، بل "تحافظ على البيئة بتكليف مباشر من السيسي". لكن هذه التصريحات لم تجد صدى لدى المتابعين والمهتمين بالشأن البيئي والزراعي، الذين وصفوا المشروع بأنه مجرد "فنكوش جديد" يُضاف إلى قائمة طويلة من المبادرات الحكومية التي تستهلك المليارات بلا جدوى حقيقية، ولا تنعكس على حياة المواطنين.
 

بين الشعارات والواقع... وعود جوفاء
اللافت في تصريحات الوزير هو التناقض الفج بين الخطاب الرسمي والواقع على الأرض. فمنذ سنوات، دأب النظام على الترويج لشعارات "التنمية المستدامة" و"الحفاظ على البيئة"، لكن الواقع يكشف عن تدهور غير مسبوق في الزراعة، وارتفاع أسعار الأسمدة، وتراجع الإنتاج المحلي. وفي واحة سيوة تحديدًا، يشكو الأهالي من غياب الدعم الحقيقي للمزارعين، وعدم وجود استثمارات جادة في البنية التحتية أو الخدمات، بينما تُستهلك المليارات في مشاريع استعراضية الهدف منها الإعلام لا التنمية.
 

فنكوش على خطى العاصمة الإدارية
لا يختلف مشروع تطوير واحة سيوة عن غيره من المشاريع التي أطلقها السيسي منذ اغتصابه السلطة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، و"المليون ونصف فدان"، و"المزارع السمكية". جميعها مشاريع ضخمة من الناحية الدعائية، لكنها فشلت في تحقيق أي مردود اقتصادي حقيقي. الفارق الوحيد أن مشروع سيوة يُقدَّم هذه المرة بواجهة "بيئية"، وكأن النظام يحاول استثمار موجة الاهتمام العالمي بقضايا البيئة للتغطية على فشل سياساته.

زهدي الشامي، الخبير الاقتصادي، وصف هذه السياسات بأنها "هروب إلى الأمام"، قائلاً إن "النظام بدلاً من مواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية يفتعل مشاريع استعراضية، لا تسمن ولا تغني من جوع".
 

سيوة... تراث مهدد بالإهمال
واحة سيوة تُعَدّ واحدة من أهم المناطق الطبيعية والتراثية في مصر، بخصوصيتها البيئية والثقافية التي تجذب آلاف السياح سنويًا. لكن بدلاً من أن يكون المشروع فرصة لحماية هذا التراث، يخشى الأهالي والخبراء أن يتحول إلى وسيلة لتدميره عبر مشاريع بناء عشوائية وقطع للأشجار وتغيير لطبيعة الأراضي الزراعية.

ممدوح الولي، الخبير الاقتصادي، علّق على المشروع قائلاً: "ما نراه ليس حفاظًا على البيئة، بل اعتداء على خصوصية المنطقة وتحويلها إلى مجرد سلعة في مزاد المشاريع الوهمية". وأضاف أن "أي مشروع تنموي حقيقي في سيوة يجب أن يبدأ من دعم المزارعين والسكان المحليين، لا من فرض مشروعات فوقية بقرارات وزارية".
 

تكرار سيناريو الإهمال
الأهالي في واحة سيوة لطالما اشتكوا من غياب الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وشبكات المياه، لكن هذه الملفات لا تحظى باهتمام الدولة. بدلاً من ذلك، يجري الترويج لمشروع "تطوير بيئي" قد ينتهي إلى تدمير البيئة ذاتها التي يزعم المسؤولون أنهم يحافظون عليها. هذا التناقض بات سمة عامة لسياسات الحكومة: إهمال الأساسيات، والتركيز على مشاريع دعائية قصيرة العمر.
 

البيئة كذريعة جديدة
من الواضح أن النظام وجد في خطاب "الحفاظ على البيئة" ذريعة جديدة لتسويق مشاريعه الفاشلة. فبعد أن فقد الناس الثقة في وعود "القضاء على الفقر"، و"الاكتفاء الذاتي"، و"النهضة الزراعية"، باتت الحكومة تلجأ إلى مفردات براقة مثل "الاستدامة" و"المشروع البيئي". لكن الحقيقة التي يدركها الجميع أن هذه المشاريع لا تهدف سوى إلى إرضاء السيسي واستعراض إنجازات وهمية أمام الكاميرات.
 

الخلاصة: واحة سيوة ضحية جديدة
مشروع تطوير واحة سيوة ليس سوى فصل جديد من فصول "الفنكوش" الذي اعتاد النظام تسويقه. فبدلاً من تقديم حلول واقعية لأزمات الزراعة والبيئة والاقتصاد، يتم إهدار الموارد في مشاريع بلا دراسة، بينما يبقى المواطن والمزارع البسيط خارج الحسابات. وإذا كان النظام يعتقد أن تكرار الشعارات سيغطي على الفشل، فإن واحة سيوة قد تكون الضحية الجديدة لسياسات لا ترى في الأرض سوى مادة للدعاية، ولا في المواطن سوى متفرج بلا صوت.