في توقيت حساس تمر به المنطقة، استقبل قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في مطار القاهرة الدولي رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، وسط تكتم رسمي على تفاصيل الزيارة. ورغم أن البيانات الإعلامية اكتفت بالحديث عن "العلاقات الأخوية والتشاور حول القضايا الإقليمية"، إلا أن خلفيات هذا اللقاء تكشف عن أجندة أخطر تتعلق بملفات غزة وليبيا والسودان، فضلًا عن تعزيز التحالف الاستراتيجي بين النظامين اللذين يعدان من أكثر المحاربين لمسارات الديمقراطية في المنطقة، وأقرب الأصدقاء إلى إسرائيل.

 

غزة... دعم غير معلن لجرائم الاحتلال

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، حرصت كل من القاهرة وأبوظبي على إظهار مواقف إنسانية أو دبلوماسية ناعمة، بينما على الأرض كان سلوكهما يصب في صالح الاحتلال. النظام المصري أغلق معبر رفح معظم الوقت، ورفض إدخال المساعدات إلا بآليات معقدة تخضع لشروط إسرائيلية، بينما لعبت الإمارات دورًا في مشاريع "ما بعد الحرب" التي تتجاهل تمامًا حق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير.

زيارة بن زايد إلى القاهرة تأتي إذن كجزء من تنسيق متواصل مع السيسي حول كيفية إدارة ملف غزة بما يضمن أولًا أمن إسرائيل، وثانيًا الحفاظ على دور الوسطاء الموثوقين لدى واشنطن وتل أبيب، دون أي اكتراث بحقيقة أن الشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة موثقة.

 

ليبيا... صراع النفوذ تحت ستار الاستقرار

الملف الليبي يمثل تقاطعًا تقليديًا بين القاهرة وأبوظبي، إذ يدعمان معسكر خليفة حفتر بالمال والسلاح، رغم أن ذلك أجهض محاولات بناء نظام سياسي تعددي في ليبيا بعد ثورة فبراير. التنسيق بين السيسي وبن زايد في هذا الملف يستهدف منع أي صعود لقوى ديمقراطية أو قوى إسلامية، وضمان بقاء ليبيا تحت حكم عسكري تابع للمحور الإقليمي المعادي للثورات.

الزيارة الأخيرة جاءت أيضًا في ظل تعثر المسارات الأممية لإجراء انتخابات ليبية، ما يعزز التكهنات بأن لقاء القاهرة بحث ترتيبات لإبقاء الوضع مجمدًا بما يخدم أجندات أبوظبي والقاهرة.

 

السودان... استثمار في الحرب والدمار

في السودان، لا يختلف المشهد كثيرًا. الإمارات متهمة دوليًا بتسليح قوات الدعم السريع، بينما القاهرة تقدم دعمًا خفيًا للجيش السوداني بقيادة البرهان. هذا التناقض الظاهري يخفي تنسيقًا في العمق: الهدف ليس انتصار طرف على آخر بقدر ما هو إطالة أمد الصراع حتى يظل السودان ضعيفًا ومفتتًا. الزيارة جاءت إذن في سياق مشاورات حول كيفية إدارة الحرب بالوكالة بما يخدم مصالح المحور، ويحول دون ظهور نموذج ديمقراطي قد يهدد استقرار أنظمة الحكم الاستبدادية في المنطقة.

 

تحالف ضد الديمقراطية

السيسي وبن زايد يمثلان وجهين لعملة واحدة: كلاهما جاء إلى الحكم على أنقاض أحلام شعوب المنطقة بالحرية. مصر شهدت انقلاب 2013 على أول رئيس منتخب، برعاية ودعم مالي وإعلامي من الإمارات. ومنذ ذلك الوقت، لم يتوقف التعاون بين النظامين في وأد أي تجربة ديمقراطية سواء في مصر أو تونس أو ليبيا أو السودان.

الزيارة الأخيرة ليست إذن لقاء بروتوكوليًا، بل حلقة في سلسلة تنسيق ممتدة بين أكبر قوتين مضادتين للديمقراطية في المنطقة.

 

صداقة إسرائيل الحقيقية

أحد أبرز القواسم المشتركة بين السيسي وبن زايد هو عمق علاقتهما بإسرائيل. فبينما يفاخر النظام المصري باتفاقية السلام والتنسيق الأمني في سيناء، كانت الإمارات أول من هرول إلى التطبيع عبر اتفاقيات أبراهام. اليوم، ومع حرب غزة، يظهر هذا التحالف على حقيقته: انحياز كامل لإسرائيل، وتقديم غطاء سياسي ودبلوماسي لجرائمها، مع وعود باستثمارات ضخمة في مشاريع "إعادة الإعمار" التي تُطرح كرشوة سياسية لتصفية القضية الفلسطينية.

 

توقيت الزيارة... رسالة للخارج والداخل

اختيار هذا التوقيت تحديدًا، مع تصاعد الانتقادات الدولية لجرائم الاحتلال في غزة، يؤكد أن الهدف هو توحيد الصف بين القاهرة وأبوظبي في مواجهة أي ضغوط محتملة من الرأي العام العربي. داخليًا، تمثل الزيارة رسالة دعم سياسي للسيسي، الذي يواجه أزمات اقتصادية خانقة وغضبًا شعبيًا متصاعدًا، فيما يحصل بن زايد على شريك إقليمي مطيع يساند أجندة الإمارات في المنطقة.

 

تحالف الدم والمال

زيارة محمد بن زايد للقاهرة ليست حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل هي تعبير واضح عن تحالف الدم والمال ضد شعوب المنطقة. تحالف يتستر بشعارات "الاستقرار" و"الأمن القومي"، بينما جوهره الحقيقي هو حماية إسرائيل، إطالة أمد الحروب في المنطقة، ومنع أي مسار ديمقراطي قد يهدد عروشهم.

وفي النهاية، يبقى السؤال: إلى متى ستظل الشعوب رهينة لتحالف أنظمة لا ترى في مواطنيها سوى خصوم، وفي الاحتلال الإسرائيلي سوى صديق؟