لم يعد أمام النظام المصري ما يخفي به ضعفه السياسي والعسكري. خطاب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الأخير في الأكاديمية العسكرية كان بمثابة سقوط ورقة التوت الأخيرة، حيث بدا في غاية التخاذل والخضوع، معترفًا بعدم الرغبة في الحرب في توقيت حساس يشهد صراعًا إقليميًا مفتوحًا. هذه الكلمات لم تُقرأ كرسالة سلام، بل كإشارة ضعف تفضح اهتزاز عقيدة الجيش المصري وتطمئن الخصوم أكثر مما تردعهم. مقارنة بخطابات زعماء مثل الرئيس الراحل محمد مرسي، أو حتى رؤساء دول بعيدة مثل كولومبيا، أو خطاب نتنياهو العدائي المستمر، بدا خطاب السيسي أقرب إلى إعلان استسلام معلن، وهو ما وصفه معارضون بأنه "خطاب الخذلان".
خطأ استراتيجي يطمئن العدو
الخبير الاقتصادي والسياسي زهدي الشامي علّق على الخطاب معتبرًا أن الإعلان الصريح عن عدم الرغبة في الحرب يُعد خطأ استراتيجيًا فادحًا. فالقواعد العسكرية تقول إنه إن لم ترد الحرب، فعلى الأقل لا تعلن ذلك صراحة حتى لا يطمئن خصمك ويستغل الموقف. ويضيف أن هذا الخطاب يُظهر عقلية غير مؤهلة لإدارة دولة تواجه تحديات إقليمية خطيرة، ويكشف تآكل الردع المصري الذي كان عنصرًا ثابتًا في عقيدة الجيش لعقود.
وتابع في تدوينته ما يلي:
أولاً - حتى لو كنت لن تحارب فلا تعلن ذلك على الملأ فيطمئن ذلك العدو ويشجعه على المضى فى غيه.
ثانيًا - من قال إدخال المساعدات من المعبر بشكل جماعى عربي ودولي دون انتظار موافقة اسرائيل كانت القمة العربية ذاتها، والتى شاركت فيها مصر ، ولكن العرب لم يفعلوا هذا القرار.
ثالثًا - طاب فين الإجراءات السياسية القوية : إلغاء أو تعليق المعاهدة ، سحب السفراء وغلق السفارة ، الانضمام لجنوب افريقيا والبرازيل وغيرها من الدول الأجنبية للأسف فى الدعوى أمام محكمة العدل الدولية حول الابادة الجماعية ، وكانت خارجيتنا قد قالت منذ أكثر من عام إنها تنوى الانضمام لجنوب أفريقيا فى تلك الدعوى لكنها سرعان مانست ماقالته، وغير ذلك كثير .
رابعًا - وقف العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بدلاً من توسيعها وزيادتها وتوقيع اتفاقات جديدة.
خامسًا - على الدولة أن تفرج عن الشباب المسجون منذ عامين بسبب التضامن مع فلسطين ، وان ترفع الحظر الحكومى على تضامن المصريين مع أشقائهم الفلسطينيين سواء داخل مصر أو الانضمام لحملات التضامن الدولية مثل أسطول الصمود العالمي الذى يضم عشرات الجنسيات.
خطاب متخاذل يهدد عقيدة الجيش
مقارنة بخطاب الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2012 الذي تحدث بوضوح عن قوة الجيش المصري واستعداده للدفاع عن الأمن القومي، بدا خطاب السيسي هزيلًا ومليئًا برسائل الخضوع. حتى خطاب رئيس كولومبيا الأخير أو نتنياهو، على اختلاف المواقف، حمل رسائل حازمة تعكس قوة الدولة وثقتها بنفسها. في المقابل، خطاب السيسي مثّل تهديدًا مباشرًا لعقيدة الجيش المصري القتالية، التي تقوم على الجاهزية والردع لا على إعلان الضعف.
النظام يتعرّى أمام الجميع
الكاتب عباس قباري وصف خطاب السيسي بأنه "سقوط ورقة التوت الأخيرة"، مشيرًا إلى أن النظام لم يعد قادرًا على إخفاء حقيقته. فبينما يتباهى الإعلام الرسمي بقوة الجيش، جاء الخطاب ليكشف أن القيادة السياسية نفسها لا تؤمن بهذه القوة. ويضيف قباري أن السيسي وضع الجيش في موقع لا يُحسد عليه: بين صورة مزيفة تروّجها السلطة، وواقع حقيقي يُظهر جيشًا مُستنزفًا في مشروعات اقتصادية ومغامرات سياسية بلا جدوى.
وأضاف في تدوينة له : كل ما قيل يؤكد دورًا عمديًا في جريمة التجويع! فالقطاع كان تحت سيطرة إدارة مدنية وعسكرية فلسطينية لوقت طويل من بداية الطوفان ومع ذلك استمر الامتناع عن تقديم المساعدات أو تعطيلها بشكل ممنهج .. وهو الأمر الذي أدي في وقت لاحق لسيطرة قوات الاحتلال على معبر فلاديلفيا وخرق اتفاقية كامب ديفيد!
تكرار الكذب لن يجعله حقًا .. والتنصل من الجريمة لا يتم عبر التهويمات والسياقات المهزوزة..
محللون: تهديد لمستقبل الأمن القومي
عدد من المحللين رأوا أن خطاب السيسي لا ينعكس فقط على صورة مصر الخارجية، بل يهدد مستقبل الأمن القومي المصري. فحين يعلن رئيس الدولة أنه لا يريد الحرب، دون موازنة ذلك برسائل ردع، فإن ذلك يُضعف موقف التفاوض المصري في أي صراع محتمل. والأخطر أنه يُضعف الروح المعنوية داخل المؤسسة العسكرية نفسها، التي تحتاج لخطاب تعبوي يحافظ على عقيدتها القتالية.
الاعلامي محمد ناصر تحدث عن ذلك في برنامج تحت عنوان " ناصر: خطاب السيسي في الأكاديمية العسكرية كان سقوط ورقة التوت الأخيرة.. النظام اتكشف!!".
من خطاب الردع إلى خطاب الخذلان
تاريخيًا، كان خطاب القادة المصريين يركز على الردع: "الجيش المصري قادر على حماية أمنه القومي"، "أرض مصر خط أحمر"، وغيرها من الرسائل الواضحة. لكن خطاب السيسي الأخير انزلق إلى مستوى غير مسبوق من التخاذل، وهو ما يفتح الباب للتشكيك في أهلية القيادة السياسية لحماية البلاد.
سقوط ورقة التوت
خطاب السيسي في الأكاديمية العسكرية لم يكن مجرد تصريح عابر، بل كان حدثًا كاشفًا. لقد أسقط ورقة التوت الأخيرة عن نظام حاول طويلًا التغطية على ضعفه بادعاءات القوة. اليوم بات واضحًا أن النظام عارٍ أمام شعبه وأمام العالم، وأن خطابه لا يحمل سوى الخضوع والتناقض. أما السؤال الأهم، فهو: هل يظل الجيش المصري رهينة هذا الخطاب المتخاذل، أم أن عقيدته الراسخة ستفرض نفسها يومًا على القيادة السياسية؟