منذ سنوات، ظلّت إدارة أزمة سد النهضة في مصر نموذجًا صارخًا للتقاعس السياسي والتغافل الإداري، حيث اعتمد نظام السيسي ووزير الري على التراخي والصمت الاستراتيجي لحماية سلطتهم ومواقعهم السياسية، متجاهلين تحذيرات الخبراء وحقوق المصريين المائية. ومع مرور الوقت واستقرار الأمور الميدانية بعد انتهاء البناء وما يُعرف إعلاميًا بـ"خراب مالطا"، بدأ المسؤولون يتحدثون فجأة عن الحقائق التي كانوا يعرفونها منذ البداية، وكأنهم يكتشفون أزمةً كانت على الدوام أمام أعينهم.
 

الاعتراف بالحقيقة
سد النهضة الإثيوبي لم يعد مجرد مشروع لتوليد الكهرباء، بل أصبح محورًا للصراع السياسي والمائي في القرن الإفريقي، ورمزًا للأزمة في إدارة النظام المصري لموارد الدولة الحيوية. تصريحات وزير الري هاني سويلم الأخيرة كشفت بوضوح أن الهدف الحقيقي للسد هو الهيمنة السياسية، وليس الكهرباء، وهو ما يعكس فجوة استراتيجية كبرى في إدارة الأزمة من جانب نظام السيسي.

وأكد أن "توليد الكهرباء ليس الهدف الأول ولا الوحيد لسد النهضة، لكن الهدف الأول هو الاستخدام السياسي وفرض الهيمنة على منابع نهر النيل وفي المنطقة". هذه التصريحات تكشف عن وجهة نظر مغايرة لما كان يُسوقه النظام سابقًا حول المشروع، خصوصًا بعد ما وصفه مراقبون بـ"نوم عميق" من جانب وزير الري ونظام السيسي تجاه تداعيات السد.

كما أن تصريحات وزير الري الأخيرة التي أكد فيها أن الهدف الأول لسد النهضة ليس توليد الكهرباء بل الاستخدام السياسي وفرض الهيمنة على منابع النيل، تعكس وجهة نظر لم تُكشف إلا بعد أن أصبح المشروع واقعًا ملموسًا، وهو ما يُظهر بوضوح أن النظام لم يكن يومًا صادقًا مع الشعب المصري حول المخاطر الحقيقية، بل كانت مصالح حماية الكرسي السياسي أولويتهم المطلقة.
 

تطور الأزمة عبر الزمن: من البداية حتى اليوم

  • 2011-2015 – بدء بناء سد النهضة: تصريحات إعلامية روتينية عن التنمية والكهرباء، بينما كان النظام يطمئن المصريين دون رؤية واضحة لمخاطر الهيمنة الإثيوبية.
  • 2018 – الملء الأول للسد: تصريحات غامضة عن "الحفاظ على مصالح مصر"، لكن مراقبين لاحظوا غياب استراتيجية واضحة وما يشبه "النوم العميق" للسلطات.
  • 2020 – توتر مع إثيوبيا حول الملء الثاني: السيسي استخدم خطابًا شعبيًا طريفًا مثل "بطلوا هري"، بينما المفاوضات الفعلية تتعثر.
  • 2024 – أزمة الخراب المالي والتأخيرات: وزير الري السابق أعلن عن "مفاوضات لحماية الحقوق"، إلا أن غياب تحرك النظام بجدية كان واضحًا.
  • 2025 – تصريحات هاني سويلم: "توليد الكهرباء ليس الهدف الأول، بل الاستخدام السياسي والسيطرة على منابع النيل".

هذا يشير إلى تبدل مفاجئ في الخطاب الرسمي، وكشف أن السد أصبح أداة للهيمنة والإخضاع، وأن "السد بني لإخضاع المصريين"، وهو اعتراف صريح بأن مصالح الدولة لم تُحمَ، وربط الأمر بحماية السلطة السياسية للنظام.
 

من النوم العميق إلى الإدراك السياسي المتأخر
على مدى سنوات، بدا أن نظام السيسي ووزير الري في حالة غياب كامل عن متابعة تطورات السد على الأرض، مكتفين بالتصريحات الطريفة أو التطمينية التي لم ترتكز على استراتيجية واضحة لحماية مصالح مصر. فقط بعد أن أصبح السد واقعًا ملموسًا، ظهرت تصريحات صريحة توضح أن المشروع أداة للهيمنة الإثيوبية وإخضاع المصريين سياسيًا.
 

الواقع المائي
يشير الواقع إلى أن أي تقليص لحصص المياه قد يضر بالزراعة، والأمن الغذائي، والصناعات المرتبطة بالمياه، بينما كان دور النظام في هذه المرحلة يبدو مركّزًا على حماية موقعه على كرسي السلطة، وليس مصالح المصريين الحقيقية.
 

تصريحات السيسي الطريفة مقابل الواقع الخطير
منذ بداية الأزمة، اعتمد السيسي على خطاب شعبي طريف يخفف من تأثير الأزمة على الرأي العام، مثل "بطلوا هري". هذه التصريحات شكلت درعًا إعلاميًا أمام الانتقادات، لكنها لم تعكس الاستراتيجية الفعلية لمواجهة المخاطر المائية. مع تصريحات وزير الري الأخيرة، بات واضحًا أن الهدف الحقيقي لم يكن حماية الموارد، بل حماية السلطة والنفوذ السياسي للنظام، حتى لو على حساب مصالح المصريين.
 

الأبعاد الاقتصادية والسياسية

  • الاقتصاد: أي تأثير على حصة المياه سيؤدي إلى ضغط على الزراعة والصناعات المرتبطة بالمياه، ويزيد من فجوة الأمن الغذائي.
  • السياسة: السد أصبح أداة استراتيجية لإثيوبيا، بينما لم يتخذ النظام المصري خطوات حقيقية لمنع الانعكاسات السلبية.
  • السلطة: تصريحات سويلم تكشف أن السيسي يركز على حماية موقعه السياسي، وهو ما يعكس أن القضية أصبحت مرتبطة بالسلطة أكثر من مصالح الدولة.

 

سد النهضة اليوم
ليس مجرد مشروع للطاقة، بل رمز للأزمة السياسية والإدارية في مصر. نوم النظام الطويل وتأجيل الإجراءات الفعلية، مقابل اعتماد السيسي على تصريحات طريفة لطمأنة الرأي العام، جعل المشروع يتحول إلى أداة للهيمنة السياسية الإثيوبية وإخضاع المصريين. تصريحات وزير الري الأخيرة تعتبر اعترافًا صريحًا بأن النظام لم يحمِ مصالح الدولة، بل ركّز على حماية السلطة والكرسي، وهو ما يضع مستقبل الموارد المائية المصرية على المحك.