شهدت مدن مغربية احتجاجات شبابية واسعة ضد ما وصفه المشاركون بـ"الأولويات الحكومية الخاطئة"، والتي تركزت على ضخ الأموال في مشاريع الرياضة العالمية وتشييد الملاعب استعدادًا للأحداث الدولية، بينما يتم تجاهل قطاعات أساسية مثل الصحة والتعليم. هذه التحركات تمثل واحدة من أكبر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، وتسلط الضوء على صعود جيل جديد من الشباب المنظم سياسيًا واجتماعيًا، يعرف باسم جيل زد 212 (Gen Z 212).
مظاهرات في الدار البيضاء ومدن أخرى
في أكبر التظاهرات الأخيرة، نزل شبان حركة "جيل زد 212" إلى شوارع الدار البيضاء يوم الأحد، حيث أغلقوا طريقًا سريعًا واشتبكوا مع الشرطة. هذه المظاهرات لم تقتصر على العاصمة الاقتصادية، بل شملت ما لا يقل عن 11 مدينة مغربية أخرى، حيث خرج المئات من الشباب للتنديد بما وصفوه بـ"الفساد الحكومي" وللمطالبة بحقهم في الصحة والتعليم.
https://mf.b37mrtl.ru/media/vids/2025.09/68da21774c59b75efe2820f3.mp4
شعار الاحتجاج: "الصحة أولًا .. ما بغيناش كأس العالم"
ربط المتظاهرون مباشرة بين الاستثمارات الضخمة في الملاعب المخصصة لكأس العالم 2030 ونظام الرعاية الصحية المتعثر في البلاد، مرددين شعارات مثل: "الملاعب موجودة، لكن أين المستشفيات؟" و"الشعب يريد الصحة والتعليم". ورغم الطابع السلمي لغالبية الاحتجاجات، شهدت بعض المواقع اشتباكات محدودة مع قوات الشرطة أثناء محاولتهم الاستمرار في المسيرات.
https://mf.b37mrtl.ru/media/vids/2025.09/68da215242360470f05f6fd7.mp4
دور الشخصيات السياسية والحقوقية
شارك في الاحتجاجات عدد من الوجوه الحقوقية والسياسية، أبرزهم البرلمانية نبيلة منيب عن "الحزب الاشتراكي الموحد"، التي دعت الحكومة إلى الاستجابة الفورية لمطالب الشباب. لكن الحركة الشبابية رفضت ما وصفته بـ"ركوب الأحزاب على موجة الاحتجاجات"، مؤكدة أن "جيل زد 212 لم ينضم لأي حزب سياسي ولن يسمح لأي مترشح بالظهور في مظاهراتها كمساند لها".
في المقابل، أعلنت قيادة حزب "فيدرالية اليسار الديمقراطي" تعليق مشاركتها في جميع المشاورات الانتخابية مع وزارة الداخلية، احتجاجًا على منع الاحتجاجات الأخيرة، مشددة على ضرورة توفير مناخ سياسي يضمن احترام الحريات وحقوق الإنسان قبل أي مشاركة سياسية مستقبلية.
خصائص جيل زد في المغرب
برز هذا الجيل الجديد من الشباب المحتجين خلال الأسابيع الأخيرة، ويضم مواليد أواخر التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، ويعرفون بارتباطهم الوثيق بعالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي. لم يكتف هؤلاء الشباب بالتعبير عبر الشاشات، بل انتقلوا إلى الشارع لقيادة مظاهرات في المدن الكبرى، رافعين شعارات تدعو إلى إصلاح شامل في قطاعات الصحة والتعليم، ومكافحة الفساد، وضمان العدالة الاجتماعية.
مراقبون يشيرون إلى أن بروز "جيل زد" يعكس تحوّلًا في أنماط التعبئة بالمغرب، حيث يجمع هؤلاء بين النشاط الرقمي والتظاهر السلمي، في ظل شعور متزايد بالإقصاء الاجتماعي وغياب الاستجابة لمطالب فئة واسعة من الشباب. هذه التحركات تعكس تحوّلًا ثقافيًا وسياسيًا مهمًا، يظهر قدرة الجيل الجديد على الضغط على السلطات والمطالبة بحقوقه عبر أساليب حديثة ومبتكرة.
التأثير المحتمل على الحكومة
مع استمرار احتجاجات الشباب، تواجه الحكومة المغربية تحديًا متزايدًا في إدارة الأولويات الوطنية، خصوصًا مع توقعات استضافة المغرب لمنافسات كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم 2030. الضغط الشعبي يعكس رغبة فئات واسعة في إعادة ترتيب الأولويات من مشاريع رياضية فخمة إلى قطاعات أساسية تمس حياة المواطنين اليومية، مثل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.
خلاصة
تؤكد احتجاجات جيل زد في المغرب أن الشباب أصبح قوة فاعلة في تشكيل الرأي العام ومساءلة الحكومة عن أولوياتها، مع مزج مبتكر بين النشاط الرقمي والتحرك في الشارع. وبينما تستمر المظاهرات في المدن الكبرى، يظل شعارهم الأبرز: "الصحة أولًا .. ما بغيناش كأس العالم"، رسالة قوية للحكومة بأن الشعب يطالب بتحويل الموارد إلى قطاعات تمس حياتهم اليومية قبل أي مشروع رياضي أو دولي.