تخطط شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية لطرح أراضٍ جديدة أمام المطورين العقاريين في حي المال والأعمال باستثمارات تقترب من 100 مليار جنيه، وفق ما كشف مصدر مطلع على ملف الطروحات. وبينما تحاول الحكومة تقديم هذا الطرح كخطوة لتعزيز مكانة العاصمة كمركز مالي، يثير القرار جدلاً واسعاً حول أولويات المشروع ومستقبله، خاصة في ظل غياب الكثافة السكانية الكافية وضعف الإقبال على السكن في المدينة حتى الآن.
إعادة هيكلة "الداون تاون"
في يوليو الماضي، استقطعت العاصمة الإدارية جزءاً من منطقة "الداون تاون" التي تعاني من تعثر تشغيل بعض خدماتها ومشروعاتها، وحولته إلى حي المال والأعمال الجديد. خطوة اعتبرتها الشركة محاولة لإنعاش المنطقة، غير أن مراقبين رأوا فيها دليلاً على التخبط الإداري، إذ لم يكتمل تشغيل الأحياء السابقة بعد، بينما يجري الحديث عن توسعات جديدة تستنزف موارد الدولة.
طرح جديد رغم التحديات
المصدر أوضح أن الطرح المرتقب سيشمل مساحات تتراوح من 2000 إلى 5000 متر مخصصة لمشروعات تجارية وإدارية وفندقية. ورغم توقعات الشركة بإقبال كبير من المستثمرين بسبب قرب الحي من المنطقة الحكومية، إلا أن التساؤلات تبقى قائمة: من سيستخدم هذه المباني في ظل غياب قاعدة سكانية فعلية داخل العاصمة؟ وهل تتحول العاصمة إلى مجرد تجمع إداري وتجاري بلا حياة مجتمعية؟
خطر التفريط للأجانب
الانتقادات الأوسع تركز على أن الحكومة قد تفرط في هذه الأراضي لشركات أجنبية، سعيًا وراء العملة الصعبة وتعويض تكاليف المشروع الضخمة. ومع ندرة السكان، تصبح المخاطر أكبر بأن تتحول أجزاء واسعة من العاصمة إلى ملكيات استثمارية أجنبية معزولة، تفتقر إلى البعد الاجتماعي والسكاني. هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان تجارب مشاريع عمرانية ضخمة فشلت بسبب غياب التوازن بين الاستثمار والبنية السكانية.
بيع الأراضي قبل اكتمال البنية الاجتماعية
الأسبوع الماضي، أعلن خالد عباس، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة العاصمة الإدارية، تأجيل بيع 4000 فدان من المرحلة الأولى، في محاولة لتعظيم العائد المالي. ورغم أن الشركة ترى في ذلك خطوة استراتيجية، إلا أن النقاد يعتبرونها دليلاً على أن الحكومة تتعامل مع العاصمة كمشروع تجاري بحت، يهدف إلى جني الأرباح عبر بيع الأراضي، دون رؤية واضحة لبناء مجتمع متكامل ومستدام.
حي المال والأعمال: مركز بلا جمهور
يضم حي المال والأعمال الأساسي بالفعل مقرات البنك المركزي والبورصة وأكثر من 20 بنكاً. ومع ذلك، تبقى هذه المؤسسات مجرد "جزيرة إدارية" وسط مدينة تعاني من نقص حاد في السكان. إذ لا توجد حياة يومية متكاملة ولا مجتمع فعلي يستفيد من هذه الاستثمارات. ما يجعل الطروحات الجديدة أقرب إلى إعادة إنتاج نفس الأزمة: مشروعات ضخمة بلا مستخدمين فعليين.
ما بين الطموح والواقع
الحكومة تروج للعاصمة الإدارية باعتبارها مشروع القرن، لكن الواقع يكشف عن خلل في الأولويات. فبدلاً من التركيز على جذب السكان وتوفير خدمات أساسية بأسعار مناسبة، يجري التوسع في بيع الأراضي التجارية والإدارية لصالح المستثمرين، بما قد يحول المدينة إلى مجرد "مخزن عقارات" مملوك لشركات كبرى.
وفي ضوء ما سبق فإن خطط طرح أراضٍ جديدة بقيمة تقترب من 100 مليار جنيه في حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية قد تبدو على الورق استثماراً واعداً، لكنها في الحقيقة تعكس إصرار الحكومة على المضي في مشروع ضخم دون معالجة أزمته الجوهرية: غياب السكان. وفي ظل احتمالات دخول الشركات الأجنبية بقوة على خط التملك، تتزايد المخاوف من أن تتحول العاصمة الإدارية إلى مدينة استثمارية بلا روح، تنتمي للأوراق المالية أكثر مما تنتمي للناس.