أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو كان قد خطط للقيام بزيارة رسمية إلى الأرجنتين، غير أن الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، المعروف بدعمه السياسي والعلني لإسرائيل، طلب منه إلغاء الزيارة أو تأجيلها إلى وقت لاحق. ويعود السبب – بحسب الصحيفة – إلى خشية ميلي من انعكاسات سلبية محتملة على وضعه الانتخابي إذا ما ارتبطت صورته محلياً باستقبال نتنياهو في هذه المرحلة الحساسة.
حسابات انتخابية ضاغطة
الأرجنتين تستعد لدخول أجواء انتخابية محتدمة، حيث تسيطر القضايا الداخلية من اقتصاد متعثر وتراجع في مستوى المعيشة على النقاش العام. وفي ظل هذا السياق، يخشى ميلي أن يستغل خصومه السياسيون أي ارتباط مباشر مع إسرائيل أو نتنياهو كورقة للهجوم عليه، خاصة مع تصاعد الانتقادات الدولية لإسرائيل بسبب حرب غزة المستمرة وما خلّفته من ضحايا إنسانيين ومعاناة كبيرة للمدنيين.
ويرى محللون أن ميلي، على الرغم من قربه الأيديولوجي والسياسي من تل أبيب وواشنطن، مضطر لمراعاة المزاج الشعبي الذي يشهد تعاطفاً واسعاً مع الفلسطينيين، لا سيما في أمريكا اللاتينية التي لطالما تبنت مواقف أكثر استقلالية عن السياسات الغربية التقليدية.
مأزق صورة نتنياهو دولياً
الطلب الأرجنتيني يعكس أيضاً التراجع الكبير في صورة نتنياهو على الساحة الدولية. ففي الوقت الذي يسعى فيه إلى كسر عزلته عبر زيارات خارجية ولقاءات دبلوماسية، يجد نفسه مرفوضاً أو مرحباً به بتحفظ شديد في عدة عواصم. فالحرب على غزة وضعت حكومته في مواجهة مع الرأي العام العالمي، وجعلت من أي لقاء علني معه محفوفاً بالمخاطر السياسية للدول المضيفة.
ويؤكد مراقبون أن مجرد طلب التأجيل من رئيس حليف لإسرائيل مثل ميلي يوضح حجم المأزق الذي يواجهه نتنياهو، إذ لم يعد قادراً حتى على الاعتماد على الدول الصديقة لتوفير منصة سياسية تخفف من عزلته المتزايدة.
حساسية العلاقة مع أمريكا اللاتينية
إسرائيل طالما حاولت نسج علاقات وثيقة مع دول أمريكا اللاتينية، مستفيدة من الجاليات اليهودية الكبيرة هناك ومن رغبة بعض الحكومات في تعزيز التعاون العسكري والتكنولوجي. لكن التطورات الأخيرة في غزة أعادت إحياء موجة تضامن واسعة مع الفلسطينيين في تلك المنطقة، دفعت عدداً من الدول إلى مراجعة علاقاتها مع تل أبيب أو تجميدها، كما حدث في بوليفيا وتشيلي وكولومبيا.
في هذا السياق، يخشى ميلي أن يؤدي استقباله لنتنياهو في بوينس آيرس إلى خسارة رصيد سياسي مهم، سواء على المستوى الداخلي أمام المعارضة أو على المستوى الإقليمي أمام شركائه في القارة.
رسالة ضمنية لتل أبيب
الطلب الأرجنتيني بعدم الزيارة في الوقت الراهن يُقرأ أيضاً كرسالة ضمنية لإسرائيل بأن دعم ميلي لا يمكن أن يتجاوز حساباته الانتخابية والشعبية. وهو ما يعني أن تل أبيب تفقد تدريجياً هامش المناورة الذي كانت تتمتع به سابقاً مع بعض القادة المؤيدين لها.
انعكاسات داخل إسرائيل
على الجانب الإسرائيلي، يمثل هذا التطور ضربة جديدة لمحاولات نتنياهو إظهار نفسه كزعيم مقبول على الساحة الدولية، في وقت يواجه فيه انتقادات داخلية واسعة نتيجة فشل حكومته في إدارة الحرب وتحقيق أهدافها المعلنة. كما أن المعارضة الإسرائيلية ستستغل هذا الموقف لإبراز مدى التراجع الدبلوماسي الذي وصلت إليه الدولة تحت قيادة نتنياهو.
وفي ضوء ما سبق فإن تأجيل زيارة نتنياهو إلى الأرجنتين ليس مجرد إجراء بروتوكولي، بل يعكس عمق المأزق الذي يعيشه رئيس وزراء الاحتـ ـلال على المستوى الدولي. وبينما يحاول أن يكسر عزلته، يجد حتى أقرب المؤيدين له غير مستعدين لتحمل كلفة سياسية لاستقباله.
وفي المقابل، يبرز الموقف الأرجنتيني كمؤشر إضافي على تنامي عزلة إسرائيل في ظل استمرار عدوانها على غزة، وتحوّل القضية الفلسطينية إلى عامل ضغط حقيقي على قادة العالم، بما في ذلك أولئك الذين طالما أظهروا ولاءً واضحاً لتل أبيب.